وجهة الأرواح بعد وفاة الإنسان

ماذا يحدث للأرواح بعد الموت

تتمثل وجهة نظر أهل السنة والجماعة حول مصير الروح بعد الموت في أن الملائكة تأخذها إلى الله -تعالى- لاستجوابها. فإن كانت الروح من السعداء، تُنقل مباشرة إلى الجنة، حيث يُظهر الله -تعالى- مقعدها. بعد تغسيل الميت وتكفينه، تُعاد الروح إلى الجسد وتظل بين الكفن وجسمه، فيكون الميت في حالةٍ تمكنه من سماع ما يدور حوله دون أن يتمكن من الكلام أو الإشارة، كما ورد في قوله -تعالى-: (فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ* وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ* وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَـكِن لَّا تُبْصِرُونَ).

عند دفن الميت، تُعاد إليه روحه ويتم استجوابه بروحه وجسده، وذلك وفقًا لما رواه النبي -صلى الله عليه وسلم-: (فتُعادُ رُوحُه، فيَأتِيهِ مَلَكانِ، فيُجْلِسانِه، فيَقولانِ له: مَن ربُّكَ؟ فيقولُ: رَبِّيَ اللهُ، فيَقولانِ له: ما دِينُكَ؟ فيَقولُ: دِينِيَ الإِسلامُ، فيَقولانِ له: ما هذا الرجلُ الذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ فيَقولُ: هو رسولُ اللهِ، فيَقولانِ له ومَا عِلْمُكَ؟ فيَقولُ: قَرأتُ كِتابَ اللهِ فآمَنتُ به وصَدَّقتُ، فيُنادِي مُنادٍ من السماءِ أنْ صَدَقَ عَبدِي، فَأفْرِشُوه من الجنةِ، وألْبِسُوهُ من الجنةِ، وافْتَحُوا له بابًا إلى الجنةِ، فيَأتِيهِ من رَوْحِها وطِيبِها، ويُفسحُ له في قَبرِهِ مَدَّ بَصرِهِ).

مصير الروح بعد الموت

تعددت الآراء حول مصير الروح بعد الموت بين الصحابة الكرام والتابعين، وهذه المرحلة تمثل الفاصل بين الموت ويوم القيامة. يتم توضيح هذه المسألة في القرآن الكريم، حيث يقول -تعالى-: (وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا).

باختصار، تُظهر الأدلة أن أرواح الأبرار تكون في مكانة عالية، بينما أرواح الأشرار تبقى في الأرض دون أن تصعد. وعندما سُئل ابن حجر عن هذا الأمر، قال إن أرواح المؤمنين في عليين، بينما أرواح الكافرين في سجين، ونوه إلى أن الاتصال بين الروح والجسد يتجاوز ما كان عليه في الدنيا.

ورد في الحديث المعروف الذي رواه البراء بن عازب -رضي الله عنه- ما يشير إلى مصير روح المؤمن والكافر بعد وفاتهما، وفيما يلي التفاصيل:

روح المؤمن

يشمل الحديث على تفاصيل تتعلق بخروج روح المؤمن من جسده وصعود الملائكة بها إلى السماء ثم إعادتها إلى الأرض. وما يلي هو الدليل:

  • خروج روح المؤمن من جسده: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إنّ العبدَ المؤمن إذا كان في انْقِطَاعٍ من الدُّنْيا، وإقبالٍ من الآخِرَةِ، نزل إليه من السَّمَاءِ ملائكةٌ بِيضُ الوجُوهِ، كأَنَّ وجوهَهُمُ الشمسُ، معهُمْ كفنٌ من أكْفَانِ الجنَّةِ، وحَنُوطٌ من حَنُوطِ الجَنَّةِ، حتى يَجْلِسُوا منه مَدَّ البَصَرِ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ المَوْتِ حتى يَجلِسَ عندَ رأسِه فيَقولُ: أيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ اخْرُجِي إلى مغْفِرةٍ من اللَّهِ ورِضْوَانٍ، فتخْرُجُ تَسِيلُ كما تسِيلُ القَطْرَةُ من فِي السِّقَاءِ).
  • صعود الملائكة بروح المؤمن إلى السماء، ومدح الملائكة له: ففي الحديث عن أخذ ملك الموت روح المؤمن، يقول النبي: (فيَأْخذُها، فإذا أخَذَها، لم يَدَعُوها في يَدِه طَرْفَةَ عَيْنٍ، حتى يَأْخُذُوها فيَجْعَلُوهَا في ذلكَ الكَفَنِ وفي ذلكَ الحَنُوطِ، فيَخْرُجُ منها كأَطيَبِ نَفْخَةِ مِسْكٍ، وُجِدَتْ على وجْهِ الأرضِ، فيَصْعَدُونَ بِها فلا يمُرُّونَ بها على مَلَكٍ من الملائِكَةِ، إلَّا قالُوا: ما هذا الرُّوحُ الطَّيِّبُ؟ فيقولُونَ: فُلَانُ بنُ فُلَانٍ بأَحْسَنِ أسمائِه التي كانُوا يُسَمُّونَه بها في الدُّنْيَا حتى ينْتَهُوا بها إلى السَّماءِ الدُّنْيا فَيَسْتَفْتِحون له فَيُفْتَحُ له، فيُشَيِّعُهُ من كلِّ سماءٍ مُقَرَّبُوها إلى السماءِ التِي تلِيها، حتى يُنتَهَي إلى السماءِ السابِعةِ).
  • إعادة روح المؤمن إلى الأرض: قال النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: (فيقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: اكْتُبُوا كِتابَ عبدِي في علِّيِّينَ، وأَعِيدُوا عَبدِي إلى الأرضِ، فإِنِّي مِنها خَلَقتُهم، وفِيها أُعِيدُهُم، ومِنها أُخْرِجُهم تارةً أُخْرَى).

روح الكافر

في الحديث الذي يرويه البراء تفاصيل تتعلق بما يحدث بروح الكافر ومكان استقرارها بعد موته:

  • خروج روح الكافر من جسده: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ العبدَ الكافِرَ إذا كان في انقِطَاعٍ من الدنيا، وإقبالٍ من الآخِرةِ، نزل إليه من السماءِ ملائكةٌ سُودُ الوجُوهِ معَهُمُ المُسُوحُ، فيجلِسُونَ منه مَدَّ البَصَرِ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الموتِ حتى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَيَقُولُ: يَا أيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ اخْرُجِي إلى سَخَطٍ من اللَّهِ وغَضَبٍ، فَتَفْرُقُ في جَسَدِهِ فيَنتَزِعُهَا كَما يُنتَزَعُ السَّفُّودُ من الصُّوفِ المَبْلُولِ).
  • صعود الملائكة بروح الكافر إلى السماء، وذمّ الملائكة له: ففي الحديث: (فيصْعَدُونَ بِها، فلا يَمُرُّونَ بها على مَلَكٍ من الملائِكَةِ إلَّا قَالُوا: ما هذا الرُّوحُ الْخَبِيثُ؟ فيَقُولُونَ: فُلَانُ بنُ فُلَانٍ بأَقْبَحِ أسْمَائِهِ التي كان يُسَمَّى بِهَا في الدُّنْيَا، حتى يَنْتَهِيَ بِهَا إلى سمَاءِ الدُّنْيا فَيُسْتَفْتَحُ لهُ، فلا يُفْتَحُ لهُ، ثُمَّ قَرَأَ لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أبْوَابُ السَّمَاءِ قال: فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ: اكْتُبُوا كِتَابَه في سِجِّينٍ في الْأَرْضِ السُّفْلَى).
  • وورد عن مالك أنّ الرّوح تكون مُرسلة تذهب حيثُ تشاء، وقال كعب: إن روح المؤمن في السّماء السابعة في عليّين، والكافرين في الأرض السابعة في سجّين، وجاء عن ابن حزم وغيرهم أنَّ الرّوح تستقرّ بعد الموت في المكانِ الذي كانت به قبل خلق الجسد، بينما ذكر ابن عبد البرّ أن أرواح الشهداء في الجنة، وأرواح المؤمنين من غير الشهداء في القبور، وقال ابن شهاب: إن أرواح الشهداء معلّقة بالعرش كالطير وتذهب إلى الجنة.

استمرار الروح حتى يوم القيامة

توافق العلماء على أن الروح تبقى بعد الموت وقبل النفخة الأولى، وقد اختلفت الآراء بشأن استمرار وجودها عند النفخة الأولى التي يلقى فيها جميع الخلائق حتفهم إلا من شاء الله. وتتضمن الآراء ما يلي:

  • ذهب البعض إلى القول بفناء الروح عند النفخة الأولى، مستندين إلى أدلة عدة، منها قوله -تعالى-: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ* وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ).
  • يرى فريق آخر، وهو الرأي الشائع وقول تقي الدين السُبكي، أن الروح تبقى ولا تموت. ويستدلون بأحاديث تثبت العذاب والنعيم للروح بعد مفارقته للجسد حتى يبعثها الله -تعالى- يوم القيامة، مثل قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ليسَ مِنَ الإنْسانِ شيءٌ إلَّا يَبْلَى، إلَّا عَظْمًا واحِدًا وهو عَجْبُ الذَّنَبِ، ومِنْهُ يُرَكَّبُ الخَلْقُ يَومَ القِيامَةِ).

خروج الروح ونزول الملائكة بالبشرى

خروج الروح

أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- بأن أرواح البشر تُقبض بواسطة ملك الموت الذي وُكِل بقبضها عند انتهاء أجلها، ويكون معه كادر من المساعدين. يقول الله -تعالى-: (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ).

توجد علامات متعددة تشير إلى خروج الروح، منها شخوص البصر، كما ورد في حديث أم سلمة -رضي الله عنها- التي قالت: (دخلَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ علَى أبي سلَمةَ وقد شقَّ بصرُهُ فأغمضَهُ ثمَّ قالَ إنَّ الرُّوحَ إذا قُبِضَ تبعَهُ البَصرُ). أيضاً، سكون القلب وتوقف نبضه تعتبر من الدلائل.

نزول الملائكة بالبشرى

عند وفاة الإنسان المؤمن، تتنزل الملائكة عليه وتبشره بالجنة، وتؤمنه بشأن ما ينتظره. كما يتضح من قوله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّـهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ).

اختلفت الآراء حول توقيت هذا النزول، حيث يرى البعض أنه يحدث عند خروجهم من القبور، بينما يعتقد آخرون أنه يحدث في القبر. الملائكة تأتي لطمأنة المؤمن في لحظة احتضاره وموته، لتؤنسه في وحدته وتبشره بما أُعد له في الآخرة.

عندما يواجه المؤمن هذه المبشرات من الله -تعالى- وما أعده له، يشعر بفرح ويرغب في لقائه، كما ورد عن النبي -عليه الصلاة والسلام-: (مَن أحَبَّ لِقاءَ اللَّهِ أحَبَّ اللَّهُ لِقاءَهُ، ومَن كَرِهَ لِقاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقاءَهُ). بينما يشعر الكافر بالخوف والكره لملاقاة الله بسبب ما ينتظره من العذاب.

ورد عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت للنبي -عليه الصلاة والسلام- إن جميع الناس تكره الموت، فأجابها: إن محبة لقاء الله -تعالى- تأتي عند الموت بسبب ما يراه الإنسان من بشريات الملائكة برحمة الله ورضوانه.

Published
Categorized as معلومات عامة