هل الميت يختار من يزوره في المنام؟ وما الدلالة على ذلك؟ نعلمُ أنَّ الموت هو الحقيقة المؤكدة التي لا خلاف عليها، وما يتعلق به يُعتد من الأمور الخفية التي تثير عددًا من التساؤلات، منها ما يكون في علم الله وحده، ومنها ما أشار الله إليه في كتابه وسُنة رسوله، وفي سوبر بابا نود الإجابة على بعض منها.
كثيرٌ منّا عانى من ويلات الفراق، فمن الأحبة من ماتوا ودُفنت أجسادهم تحت الثرى لكن نحسُ أن أرواحهم لا زالت معنا، بل وتُراودنا في المنام كذلك.. فماذا عن الميت هل يختار هو من يزوره؟
إن تعددت الأسباب يظل هناك خلافًا بين العلماء حول إجابة سؤال “هل الميت يختار من يزوره في المنام”، فمنهم من ينفي الإجابة ومنهم من يُثبتها بالأسباب سالفة الذكر.
اقرأ أيضًا: أدعية الرسول للمتوفى
في خطبة ألقاها أوضح “أبو حامد الغزالي” شيئًا من إجابة سؤال “هل الميت يختار من يزوره في المنام” فقال إنَّ النفوس بإمكانها أن تلتقي ببعضها البعض.
بل تلتقي النفوس الصالحة، فيسألون بعضهم عن حال الأهل والأقارب، فيتداولون الرأي بين الحال الجيد وغير الجيد؛ ليصلوا من أجلهم، ويزورونهم من أجل الإرشاد والهداية والتوفيق من الله، ويأمرونهم في المنام بطاعة الله تعالى.
ورد من قُبيل المعتقدات الخاطئة أن أرواح الأموات يُمكن أن تزور بيوت الأحياء، بالاستدلال على ذلك اعتبارًا بـ:
ناهيك عن المعتقدات الأخرى التي تزعم بأن الروح تخرج من الجسد أثناء النوم فتتجول لتلتقي بأرواح الموتى، بيد أنها لا أساس لها من الصحة، فما يكون في المنام هو في عالم الأحلام.
على جانب آخر، هناك من يزعم أن روح الميت تبقى في المنزل بعد موته أربعين يومًا، وهو ما ليس له إثبات أو دليل شرعيّ صريح.
يُمكن أن يتخذ الشيطان شكل الموتى في المنام، ليأمر أهل الميت بفعل أو يصل إليهم برسالة بعيدة كل البعد عن تعاليم الإسلام.. وبيان حال الرؤيا يعتمد على تفاصيلها، فيُمكن تدارك ما إن كانت من قبيل الشيطان أم لا.
على جانب آخر نذكر قول الله تعالى في سورة الزمر: “اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ۖ فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42)“.
كما ذُكر على لسان سعيد بن جبير: “إن الله يقبض أرواح الأموات إذا ماتوا، وأرواح الأحياء إذا ناموا، فتتعارف ما شاء الله أن تتعارف“.
كذلك رُوي عن جابر بن عبد الله: “يا جابرُ ما لي أراكَ منكسِرًا؟ قلتُ: يا رسولَ اللَّهِ استُشْهِدَ أبي قُتِلَ يومَ أُحُدٍ، وترَكَ عيالًا ودَينًا، قالَ: (أفلَا أبشِّرُكَ بما لقيَ اللَّهُ بِهِ أباكَ؟)..
.. قلتُ: بلَى يا رسولَ اللَّهِ قالَ: ما كلَّمَ اللَّهُ أحدًا قطُّ إلَّا من وراءِ حجابِه وأحيي أباكَ فَكَلَّمَهُ كِفاحًا فقالَ: يا عَبدي تَمنَّ عليَّ أُعْطِكَ قالَ: يا ربِّ تُحييني فأقتلَ فيكَ ثانيةً قالَ الرَّبُّ تبارك وتعالَى: إنَّهُ قد سبقَ منِّي أنَّهم إليها لَا يُرجَعونَ قالَ: وأُنْزِلَت هذِهِ الآيةُ: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا)“.
فالمرء إن نام على طهارة وذكر لله وقراءة للقرآن، ترتفع روحه، فيرى رؤيا صادقة في منامه، ربما يزوره الميت في المنام فيُخبره بأمر ما.
فيكون الرائي بمعزل عن الشيطان ووساوسه، وهنا تكون رؤية الأموات في المنام حقيقية.
اقرأ أيضًا: كيف يصل الدعاء للميت في قبره
بالنظر إلى أنّ الميت يختار من يزوره في المنام، فما السبب وراء عدم زيارته؟
نشير إلى أن السبب الراجح هو تقصير الحيّ في حق الميت، من ناحية الدعاء له والتصدق، وإخراج الزكاة، وكل ما هو متعارف عليه في صور الإحسان والبر للمتوفى.
أو أن هناك سبب آخر يتعلق بالذكر السيء من أهل الميت له، فلا يود أن يزورهم، ولا يكون هناك مكانًا للرابط بينهما.
مع العلم أن الله سُبحانه وتعالى يجعل الصالحين مطمئنين على حال فقيدهم في الآخرة، من خلال ما يرونه من الرؤى الحق.
إن اتفقنا بصدد إجابة سؤال “هل الميت يختار من يزوره في المنام” فهل ما يقوله في تلك الزيارة صادقًا يُعتد به كرسالة ما؟
إنّ الموتى في دار الحق والعدل، وكل ما يقولونه في المنام هو من الكلام الصحيح الصادق، ونصائحهم صادقة، ورسائلهم صادقة، إن تم التأكد من الرائي أن الرؤيا صالحة وليست من الشيطان.
هذا وقد أشارت الإفتاء أن ما يطلبه الميت في المنام من الحي يجب أن يُنفذ إن كان خيرًا.
إن تكرر الأمر بالرائي وقد شاهد غير مرة الميت يزوره في المنام، ويختاره هو بالتحديد لزيارته.. فإن سبب ذلك التكرار يعزو إلى رغبة الميت في أن يتصدق عنه الرائي.
أو أن الرائي بعيدًا عن طاعة الله ومنغمسًا في المعاصي، فعلى درجة قرابة الرائي من المتوفى يُمكن أن يزوره ليُنبهه ويُحذره من عاقبة الكبائر.
لكن لا تكون دلالة كثرة رؤية الموتى في المنام دلالة على الموت، فلا ترمز إلى اقتراب أجل الرائي.
اقرأ أيضًا: كيفية دفن الميت في القبر
قال الله تعالى في غير موضع من الذكر الحكيم أن من يموت حقيقةً لا يعود إلى الدنيا ثانيةً.
عادةً ما نرى في منامنا أولئك من نصبو إلى رؤيتهم في الواقع ولا يكون بوسعنا شيء لنراهم، فهم في عالم الأموات، نفتقدهم ولا زالت أواصر الود بيننا.
أحدث التعليقات