هل الاستثمار في البورصة جائز شرعاً أم محظور؟

فقه المعاملات التجارية في الإسلام

لقد جاءت تشريعات الإسلام بنظام اقتصادي متكامل يضمن حقوق البائع والمشتري. وقد وضعت قواعد وأسس تنظم عمليات البيع، حفاظًا على حقوق الأفراد، وتجنبه الحيل والغش والممارسات الضارة مثل الاحتكار والخداع، والتي تؤدي إلى أكل أموال الناس بغير وجه حق في المعاملات التجارية والمالية. ومن أجل حماية أموال الناس، حرمت التشريعات الاقتصادية كل المعاملات التي قد تلحق الضرر بمصالحهم. فقد حرّم الرّبا بجميع أشكاله، كما ذكر الله تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا). كما أوصت الشريعة بالحفاظ على روح التسامح بين الناس خلال عمليات البيع والشراء، تعزيزًا للمحبة في المجتمع؛ فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: (رحمَ اللهُ رجلاً، سَمْحاً إذا باعَ، وإذا اشترى، وإذا اقْتضى). ومع تقدم الحضارة وظهور وسائل الاتصال الإلكترونية، أصبح عالم التجارة وعقود البيع أكثر نشاطًا ويسرًا، وشهدت الأسواق المالية ظهور مفهوم البورصة. فما هو حكم الشرع في التعامل مع البورصة؟

تعريف البورصة ومجالاتها

  • تعريف البورصة: اشتقاق كلمة البورصة يعود إلى أصل فرنسي يعني “كيس نقود”، وهي مؤسسة مالية يتجمع فيها بشكل يومي ممثلو الشركات الاستثمارية، وعملاء المصارف، والتجار، والسماسرة لتبادل العملات الأجنبية، والمضاربة على الأموال، بالإضافة إلى شراء السلع والبضائع. وتحتوي البورصة على مؤشر إلكتروني يتيح معلومات عن اتجاهات الأسعار والأسهم سواء في الارتفاع أو الاستقرار أو الانخفاض عبر بعض العينات المرجعية، وتعتمد على الشفافية والعلانية.
  • اختلاف البورصة عن الأسواق العادية: يتسم التعامل في البورصة بالاختلاف عن العقود التقليدية في الأسواق العادية. حيث يقوم وسطاء وسماسرة بإدارة عمليات البيع والشراء في البورصة، مما يختلف عن السوق العادي. كما أن السلع في البورصة قد لا تكون متوفرة حاليًا، بل قد تكون في مخازن خاصة أو غائبة تمامًا، مما يعني غياب الفحص المباشر للسلعة نظرًا لطبيعة العلاقات التجارية في البورصة.
  • مجالات العمل في سوق البورصة:
    • بورصة الأوراق المالية: سوق يتم فيها تداول حصص رأس المال، بما يشمل الأسهم والسندات.
    • بورصة السلع: تُعرف أيضًا ببورصة التجارة، حيث تُبرم عقود بيع وشراء المنتجات الصناعية والزراعية وغيرها، مثل: الأرز والسكر والزيوت والنفط.
    • بورصة المعادن النفيسة: تركز على تداول السلع المعدنية القيمة مثل الألماس والذهب والفضة.
    • بورصة العملات: يتم فيها تداول العملات بطريقتين: الصرف العاجل أو الصرف الآجل.
    • بورصة العقود: حيث يتم التداول على عقود اتفاقات معينة، دون وجود السلع بالفعل، ويتعلق الأمر بإبرام تبادلات وفق نماذج محددة أو تسميات متفق عليها مسبقًا.

حكم التعامل بالبورصة

تتعدد الأحكام الشرعية المتعلقة بالتعامل في البورصة والأسهم المالية، مما يصعب الوصول إلى حكم شرعي واحد بشأنها. لذا، فإن بيان طبيعة المعاملات وكيفية تنظيمها يُعتبر خطوة ضرورية لتقديم الأحكام الشرعية بشكل دقيق. وقد أفتى مجمع الفقه الإسلامي بما يلي:

  • العقد الذي يتعلق بدفع الثمن مباشرة (العاجل) لسِلعة حاضرة يجب أن تكون ملكًا حقيقيًا للبائع، ويجب أن يتم التقابض في مجلس العقد، وهذا يعدّ عقدًا جائزًا بشرط أن تكون السلع مباحة.
  • يمكن استثناء شرط التقابض لبعض السلع التي يشرع تأخير قبضها.
  • إذا كانت السلعة غير مملوكة للبائع فيجب أن تتوافر شروط السلم، ولا يجوز للمشتري التصرف بها قبل قبضها.
  • عقد السلم هو عقد يجري فيه بيع سلعة مؤجلة، موصوفة في الذمة مقابل ثمن يعطى فورًا.
  • العقد العاجل لأسهم الشركات يعتبر جائزًا بشرطين:
    • أن تكون الأسهم مملوكة للبائع.
    • أن يكون موضوع التعامل مباحًا شرعًا.
  • عقد القرض بفائدة سواء كان عاجلاً أو آجلاً محرم شرعًا، لأنه يتضمن التعامل بالربا.
  • عقود البيع المؤجل، التي تحدث في البورصة، محرمة شرعًا لأنها تتضمن بيع الشيء الذي لا يملكه البائع، وهو ما يتناقض مع الشريعة، حيث جاء النهي: (لا تبعْ ما ليسَ عندكَ).
  • لا يمكن قياس بيع العقود الآجلة في السوق المالية على صورة بيع السلم، وهذا القياس باطل لسببين:
    • في أسواق العقود الآجلة لا يتم دفع الثمن في مجلس العقد، بل يتم تأجيل الدفع، مما يختلف عن بيع السلم الذي يتطلب الدفع في مجلس العقد.
    • وفي البورصة، قد يتم بيع السلعة المتفق عليها عدة مرات دون أن يخرج الأمر من ملك البائع الأول، مما يجعل ذلك أشبه بالمقامرة، وهو ما لا يتفق مع شروط بيع السلم.
Published
Categorized as المال والأعمال