موقع كهف أصحاب الكهف وأهميته التاريخية

سبب نزول آيات قصة أصحاب الكهف

عندما أعلن النبي -صلى الله عليه وسلم- الرسالة التي أُنزِلت إليه من ربه، قامت قريش بإرسال مجموعة من رجالها إلى أحبار اليهود في المدينة للتأكد من صدق دعوته. وكان السبب وراء اختيارهم لأحبار اليهود هو كونهم من أهل الكتاب. فطلبوا منهم أن يسألوا النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ثلاث مسائل؛ فإذا أجاب عليها كان نبيًا من عند الله، وإن لم يعرف الإجابة، فقد قال قولاً من عند نفسه. وكانت الأسئلة تدور حول فتية غابوا عن الدهر، والروح، ورجلٍ جاب الأرض. فاتجهوا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وسألوه، ولكن الوحي أبطأ عليه لمدة خمسة عشر يومًا، ثم نزلت آيات من القرآن الكريم تجيب على تلك الأسئلة.

موقع كهف أصحاب الكهف

تباينت الروايات بشأن المكان الذي شهد وقائع قصة أصحاب الكهف. على الرغم من ثبوت وقوع القصة وذكرها في القرآن الكريم، لم تتطرق الآيات إلى المكان الذي أقام فيه الفتية أو الفترة الزمنية التي عاشوا فيها. ويقال إن كهفهم قد يكون في منطقة سكرة بتونس، قرب المرسى، حيث كانت هناك كهوف لجأ إليها اليهود هربًا من ظلم الروم. بينما تذكر روايات أخرى أن الكهف يقع في صخرة بيت المقدس، أو بالقرب من مدينة أنطاكيا، فيما يُقال إن القول الأكثر شيوعًا بين العلماء هو أن الكهف يوجد في مدينة أفسس، المعروفة حالياً باسم طرسوس.

التعريف بقصة أصحاب الكهف

تشير المصادر إلى أن الفتية في الكهف كانوا يعيشون في مجتمع يعبد الأصنام ويبتعد عن عبادة الله تعالى. وفي يوم عيد خاص بهم، تجمع الناس ليسجدوا لأصنامهم، مما أثار في نفوس هؤلاء الفتية شعورًا بالرفض لما يفعله قومهم. إذ أدركوا أنهم ليسوا على شيء، فجمع الله -عز وجل- بينهم ورفع عنهم غفلتهم، وقرّروا الانسحاب من قومهم لتفادي الفتنة على دينهم. اجتمع الفتية في مكان واحد، حيث دعاهم الله -تعالى- في قوله: (إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا*فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا). فدعوا ربهم أن ينجيهم من عذاب الدنيا والآخرة، وفي هذه الأثناء، أحاطتهم رحمة الله -عز وجل- في كهفهم، حيث سخر الله لهم الشمس تُشرق من الجهة الغربية للغار، ثم تُمال قليلاً لترتفع في السماء، وعند الغروب تدخل جزء من الشمس من الجهة الشرقية للغار، وجميع ذلك بحكمة الله ورعايته لهم.

ثم أكمل الله -عز وجل- رحمته بالفتية، حيث رعاهم بتقلبهم من جانب إلى آخر كل عام، وذُكر في القرآن: (وَنُقَلِّبُهُم ذاتَ اليَمينِ وَذاتَ الشِّمالِ وَكَلبُهُم باسِطٌ ذِراعَيهِ بِالوَصيدِ لَوِ اطَّلَعتَ عَلَيهِم لَوَلَّيتَ مِنهُم فِرارًا وَلَمُلِئتَ مِنهُم رُعبًا). ويدعى أن كلبهم كان نائمًا بجانب الباب ويحافظ على تأدبه بعدم دخول الكهف، وفي ذكر الله -عز وجل- له دلالة على حسن الصحبة والرفقه بين الأصحاب، حيث كان الكلب مع هؤلاء الفتية الصالحين.

وذكرت آيات الله -عز وجل- أنه مكثوا في كهفهم ثلاثمئة وتسع سنوات على هذه الهيئة. وعند استيقاظهم، تساءلوا عن المدة التي قضوها، وظنوا أنها لم تتجاوز اليوم. ثم قرروا إرسال أحدهم ليشتري الطعام لهم، ووجّهوا بعضهم بعضاً بضرورة التحلي باللطف عند دخول المدينة حتى لا يُكتشف أمرهم، حيث قال الله -عز وجل- واصفًا حديثهم: (فَابعَثوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُم هـذِهِ إِلَى المَدينَةِ فَليَنظُر أَيُّها أَزكى طَعامًا فَليَأتِكُم بِرِزقٍ مِنهُ وَليَتَلَطَّف وَلا يُشعِرَنَّ بِكُم أَحَدًا). وعللوا خشيتهم من الآخرين بأنهم إذا اكتشفوا أمرهم سيحاولون إرجاعهم إلى الكفر والشرك، حيث قال الله: (إِنَّهُم إِن يَظهَروا عَلَيكُم يَرجُموكُم أَو يُعيدوكُم في مِلَّتِهِم وَلَن تُفلِحوا إِذًا أَبَدًا). وعندما خرج أحد الفتية ليشتري الطعام، تنكر حتى لا يتعرف عليه أحد. وعندما دفع ثمن الطعام، تفاجأ الآخرون بالنقود التي بحوزته، فاستنكروا عليه ذلك، فأخبرهم بما جرى له وأمره وأمر أصدقائه، فانطلقوا معه ليظهروا لهم مكان كهفهم، واستبقوا الناس إلى الكهف، حيث أدركوا أنه من حكمة الله وقدرته ورحمته بهم. ويُقال إن الفتية عاشوا بعد ذلك، بينما يشير البعض إلى أنهم توفوا، كما ذُكر أن الناس لم يدخلوا الكهف بعد تلك الحادثة هيبةً منه.

عدد أصحاب الكهف

لم يُذكر عدد أصحاب الكهف في القرآن الكريم، حيث أفاد الله أن عددهم غير محدد، فقال: (سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ). وقد ذكر ابن عباس أنه من القليل الذي يعرف عددهم، وهو سبعة. وكان الهدف من جعل عددهم غير واضح هو توجيه الانتباه إلى ما يجب تعلمه، حيث لا فائدة من معرفة عددهم بدقة. ولذا اختتم الله الآية بقوله: (قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ).

Published
Categorized as أسرار تاريخية غامضة