تُعرف غزوة أحد بهذا الاسم نسبةً إلى جبل أحد، الذي يقع قريبًا من المدينة المنورة حيث وقعت المعركة. أنزل الله -تعالى- في القرآن الكريم آيات تتعلق بالقتال بين المسلمين والمشركين في هذا الموقع، كما ورد في قوله سبحانه: (قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَأُخْرَىٰ كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّـهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُولِي الْأَبْصَارِ). بعد انتهاء المعركة، قام النبي -عليه الصلاة والسلام- بدفن الشهداء بالقرب من جبل أحد، ومن بينهم حمزة بن عبد المطلب، ومصعب بن عمير، وأنس بن النّضر، وأصحاب آخرون -رضي الله عنهم جميعاً-. قبل وفاته -صلى الله عليه وسلم- زار جبل أحد وأدى صلاة الوداع على الشهداء. لقد كانت محبة النبي -عليه الصلاة والسلام- لجبل أحد واضحة، حيث رواية أبو حميد الساعدي -رضي الله عنه- تقول: (أُحُدٌ جَبَلٌ يُحِبُّنَا ونُحِبُّهُ).
كان النبي -عليه الصلاة والسلام- ينهج أسلوب الشورى مع أصحابه -رضي الله عنهم- في جميع الأمور، بما في ذلك في الغزوات. وعندما علم المسلمون بخروج قريش لمواجهتهم، جمع النبي أصحابه وأخذ شاورهم في مسألة القتال. اقترح النبي -عليه الصلاة والسلام- البقاء في المدينة ومواجهة كفار قريش من داخلها، وقد لقي هذا الاقتراح تأييد العديد من الصحابة، لكن بعضهم أصر على القتال خارج أسوار المدينة، وهو ما تم التوافق عليه. قرر النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يرتدي ملابس الحرب ويخرج لملاقاة العدو. ثم شعر بعض الصحابة بالندم وطلبوا منه أن يبقى في المدينة، لكنه أجاب: (ما ينبغي لنبيٍّ إذا لَبِس لَأْمَتَهُ أن يضَعَها حتى يحكُمَ اللهُ بينه وبين عدوِّهِ). وقد عيّن النبي عبد الله بن أم مكتوم على المسلمين أثناء عودته من الغزوة، وخرج مع النبي ألفٌ من الصحابة.
استقر النبي -عليه الصلاة والسلام- وجيشه مقابل المدينة المنورة، حيث كان ظهور الجيش يواجه جبل أحد. لحماية ظهور المسلمين، اختار النبي خمسين من أمهر الرماة بقيادة عبد الله بن جبير بن النعمان الأنصاري، وأمرهم بالبقاء على جبل يبعد حوالي مئة وخمسين متراً من الجيش. عُرف هذا الجبل بجبل الرماة. وقد شدد النبي -عليه الصلاة والسلام- على الرماة بعدم مغادرة مكانهم مهما كانت الظروف، إلا بأمرٍ منه فقط. كما أوضح في حديث له: (إنْ رَأَيْتُمُونَا تَخْطَفُنَا الطَّيْرُ فلا تَبْرَحُوا مَكَانَكُمْ هذا حتَّى أُرْسِلَ إلَيْكُمْ).
بدأت قريش في الإعداد لغزو المسلمين رداً على هزيمتهم في غزوة بدر، وللانتقام لمقتل كبارهم. كان على رأس المحرضين عكرمة بن أبي جهل، وصفوان بن أمية، وأبو سفيان بن حرب، حيث جندوا أعدادًا من قريش وحلفائهم من كنانة وأهل تهامة. استطاعت قريش جمع ثلاثة آلاف مقاتل، وعسكروا بجوار جبل أحد في منطقة تُعرف بعينين. وفي ذلك الوقت، كان عدد المسلمين بعد فرار الثلث من المنافقين قد بلغ حوالي سبعمائة مقاتل، منهم خمسون راميًا تحت قيادة عبد الله بن جبير. وقد بدت البداية لصالح المسلمين قبل أن تحدث بعض التطورات.
برزت مشاهد بطولية نادرة من أصحاب رسول الله -عليه الصلاة والسلام- تعكس إيمانهم وشجاعتهم في غزوة أحد، ومن هذه المواقف:
كان أبو دجانة -رضي الله عنه- شخصية بارزة خلال المعركة، حيث آثر حماية النبي -صلى الله عليه وسلم- على حياته الخاصة، واستقبل السهام دفاعًا عنه، حتى انهالت عليه السهام.
تجلى صدق أنس بن النضر -رضي الله عنه- عند سماعه خبر وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-، حيث لم يستسلم بل واجه العدو حتى استشهد، وقد وُجد بعدها مُثخنًا بجراحه.
كان أبو طلحة الأنصاري -رضي الله عنه- مدافعًا شرسًا عن النبي، حيث تمكن من تحصين النبي وصد هجمات الأعداء بشجاعة واستبسال.
لم تقتصر البطولة على الصحابة الرجال فقط، بل كانت أم عمارة -رضي الله عنها- منهن، حيث لم تتردد في الدفاع عن النبي في أسوأ الأوقات، ووقفت مع زوجها وابنها لحمايته.
أحدث التعليقات