توفيت السيدة خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها- بالقرب من موعد الهجرة إلى المدينة المنورة، حيث يُعتقد أنها رحلت عن هذه الدنيا بعامين قبل الهجرة، أو حتى خمس سنوات، وبعض الروايات تشير إلى أن وفاتها كانت في السنة العاشرة للبعثة، وذلك بعد انتهاء حصار بنيهاشمية في الشعب. وقد أُشير أيضاً إلى أن وفاتها كانت بعد مرور شهر وخمسة أيام على وفاة عمها أبا طالب، أو حتى ثلاثة أيام فقط. وتجدر الإشارة إلى أنها كانت قد بلغت من العمر خمسة وستين عاماً حين وفاتها، بينما كان عمر النبي -عليه الصلاة والسلام- في ذلك الوقت تسعاً وأربعين سنة.
دُفنت السيدة خديجة -رضي الله عنها- في منطقة الحجون، التي تعد جبلًا يواجه مسجد العقبة، وكانت تُعتبر مقبرة أهل مكة المكرمة. وقد ذُكرت عدة فضائل لهذه المقبرة، حيث أنها تقع في مواجهة الكعبة بشكل مستقيم، وتم الإشادة بها من قِبَل النبي -صلى الله عليه وسلم-. ومن المعروف أيضاً أنه يوجد فيها قبر والدته آمنة بنت وهب، وقبر عبدالرحمن بن أبي بكر الصديق.
كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يكثر من مدح السيدة خديجة -رضي الله عنها- بعد وفاتها، وقد ورد في الحديث: (كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا ذُكرت خديجة أثنى عليها أحسن الثناء، فقالت: غِرْتُ يومًا، فقلت: ما أكثر ما تذكُرها، قد أبدلك الله خيرًا منها. فقال: ما أبدَلني الله خيرًا منها، قد آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدقتني إذ كذّبني الناس، وواسَتني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله ولدها إذ حرمني أولاد النساء). وتجدر الإشارة إلى أن السيدة خديجة عاشت مع النبي -عليه الصلاة والسلام- مدة أطول مقارنة ببقية أمهات المؤمنين، حيث امتدت تلك المدّة إلى خمسة وعشرين عامًا. وقد عبّر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن تقديره الكبير لما كانت تعانيه، وما تقدّمه من تضحيات في سبيل الدعوة إلى الله.
عاش النبي -صلى الله عليه وسلم- فترة عصيبة بعد فقدان السيدة خديجة -رضي الله عنها- نتيجة الأذى الذي تعرض له من قِبَل المشركين. ومع ذلك، بقيت ذكراها خالدة في قلبه، حيث كانت تسلِّيه في المساعي النبيلة التي يقوم بها للدعوة إلى الله ونشر الوحي. لم ينسَ النبي -صلى الله عليه وسلم- السيدة خديجة رغم زواجه بأمهات المؤمنين بعد وفاتها، بل كان يمجد ذكراها دائمًا، فقد كانت الداعم الأول له في نشر الدعوة، ومساندته في الأوقات الحرجة، إذ كانت سندًا له من الجانب العاطفي والمالي. وعندما فقد النبي -صلى الله عليه وسلم- السيدة خديجة -رضي الله عنها- وفقد معها عمّه أبا طالب، تراكم الحزن في قلبه، وزاد من معاناته الأذى الذي تعرض له من قومه، مما دفعه للذهاب إلى الطائف بحثًا عن نصرة لدعوته، إلا أنهم آذوه بشكل قاسٍ. وعندما تفاقمت الأوضاع في مكة، لجأ إلى صديقه أبي بكر الصديق ليبدأا معًا رحلة الهجرة النبوية.
يمثل عام الحزن العام العاشر من البعثة، حيث فقدت فيه أم المؤمنين خديجة -رضي الله عنها- وكذلك عم النبي -عليه الصلاة والسلام-، أبو طالب. كانت خديجة أحد النعم العظيمة التي أنعم الله بها على نبيه محمد -عليه الصلاة والسلام-، لما قدمته له من دعم في أصعب المواقف ومساعدة في تبليغ الدين. كما حزن النبي -عليه الصلاة والسلام- على وفاة عمّه، الذي كان بمثابة الحصن الذي أيد الدعوة وحماه. تشير الأحداث إلى أهمية الصبر والثبات في نشر الدعوة، وقد اتفق العلماء المتأخرون على تسمية هذا العام بعام الحزن، لعدم تحمل النبي -عليه الصلاة والسلام- من فقدٍ وألمٍ بعد زوجته وعمّه.
للمزيد من المعلومات عن السيدة خديجة -رضي الله عنها-، يمكن الاطلاع على المقالات التالية:
هي خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزّى بن قصي بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب الأسدية القرشية. وكانت تُكنّى قبل الإسلام بالطاهرة، إذ تمثل واحدة من أشرف نساء قبيلتها، حيث كانت من أعرق الناس انتماءً إلى قريش في النسب والشرف. وقد تحلت بأفضل الأخلاق وأغلاها، ومن صفاتها البارزة: العفة والحزم، وهي ابنة عم النبي -صلى الله عليه وسلم- في الجد الخامس. ولقد أجمع العلماء على أنها كانت أول من دخل الإسلام، وكذلك أول زوجة من زوجات النبي -صلى الله عليه وسلم-.
حافظت السيدة خديجة -رضي الله عنها- على دعم النبي -صلى الله عليه وسلم- طوال حياتها، مساندة إياه ومشاركة القضايا التي تهم دعوته، وسعيدة بتزايد عدد المسلمين يومًا بعد يوم. ولكن الموت له حكمه المحتوم، ولا بد من انتهاء آجال الإنسان.
أرسل الله -تعالى- جبريل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ليبشر السيدة خديجة -رضي الله عنها- بدخول الجنة، وأن لها بيتًا هناك. روى الإمام البخاري في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: (أتَتْ جِبْرِيل النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، هذه خديجة قد أتت مع إناء فيه إدَامٌ، أو طعامٌ أو شرابٌ، فإذا هي أتتْكَ فاقْرأْ عَلَيْهَا السَّلاَمَ مِن رَبِّهَا ومنِّي، وبشرها ببيتٍ في الجنة من قَصَبٍ لا صخب فيه ولا نصب). حيث أخبرها ببيت مصنوع من لؤلؤ مجوّف، لا يوجد فيه صياح أو تعب، إذ أن بيوت الجنة وقصورها خالية من هذه الأمور. ويُشار إلى أن السيدة خديجة نالت هذه البشرى لما كانت عليه من طاعة للنبي -عليه الصلاة والسلام- عند دعوته، ودعمها له في الدعوة وتخفيف معاناته في سبيل الرسالة، مما جعلها تستحق تلك البشارة من الله -سبحانه وتعالى-.
الهامش
*القَصب: اللؤلؤ المجوّف والياقوت.
*الصَّخب: الصياح.
*النَّصب: التعب والجهد.
أحدث التعليقات