تشير بعض النصوص التاريخية إلى أن سيدنا سليمان -عليه السلام- دخل دمشق في بلاد الشام، متبعًا سمت والده نبي الله داود -عليه السلام- في مساعي الجهاد. وقد تولى حكم اليمن حيث خضعت تحت سلطته، وتزوج ملكتها بلقيس، واستمرت بلاد اليمن تحت قيادته، حيث آمنت به وبرسالته، وكثير من أبناء قومها الذين كانوا يعبدون الكواكب.
امتد حكم سليمان -عليه السلام- من بلاد الشام إلى إصطخر. يُذكر أنه قد ملك الأرض، ويستدل على ذلك بما رواه عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه- عن النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- عندما قال: (إن سليمان بن داود حينما بنى بيت المقدس، سأل الله عز وجل ثلاث خصال: أن يُعطى حكمًا يتوافق مع حكمه، فاستجاب الله له؛ وسأل مُلكًا لا ينبغي لأحد من بعده، فاستجاب له؛ وسأل الله بعدما فرغ من بناء المسجد أن لا يأتيه أحد إلا الصلاة فيه، وأن يُخْرِجه من ذنوبه كاليوم الذي وُلِد فيه، وقد أُعطِيَ اثنتين، وأرجو أن تكون الثالثة قد أُعطِيَت له)، وبلغ سليمان -عليه السلام- من العمر ثلاث عشرة سنة عند توليه الحكم.
أنجز سليمان -عليه السلام- بناء بيت المقدس، حيث دعا الله -سبحانه وتعالى- أن يُجرِي أجر من يُصلي في المسجد الأقصى ليكون خاليًا من الذنوب كاليوم الذي وُلِد فيه، وانطلق في بناء المسجد الأقصى على أسس قديمة، حيث قام بتجديده وإعادة البناء عليه بعد أربعة أعوام من توليه الحكم، وذلك بناءً على وصية أبيه داود -عليه السلام-. وقد شهدت بيت المقدس منذ عصور بني إسرائيل توسعًا كبيرًا في بنايتها، حيث أصبحت أكبر من مصر وبغداد، فتولى سليمان -عليه السلام- تجديدها وتعميرها.
تشتهر مدينة تدمر بوفرة آثارها وعمارتها الفريدة، ويُقال إن سليمان بن داود هو من أسسها، حيث شيد فيها بيتًا كبيرًا يضم مساحات واسعة وأروقة وحجرات. بُني هذا المعلم من حجر واحد ولا يزال قائمًا حتى اليوم. تابع سليمان -عليه السلام- مسيرته في البناء التي بدأها داود -عليه السلام-، وأنشأ أسطولًا تجاريًا، ومصنعًا للأسلحة، ومقرًا للجيوش. شهدت الحضارة في عهده ازدهارًا لم يُعرف من قبل، حيث جمع بين ثلاث مظاهر أساسية: الملك، الحكمة، والنبوة. وتمتاز تدمر بحصونها الشامخة التي يقيم فيها السادة، ويقصدها التجار من شتى الأصقاع شغفًا بنموها، ويُقال أن الجن الذين خدموا سليمان -عليه السلام- هم من أسهموا في بناء هذه المدينة العظيمة له.
أحدث التعليقات