يُعتبر الظلم ظاهرة اجتماعية تتمثل في حفرٍ عميقة مظلمة تسعى لابتلاع كل من يُقابلها. يتفاوت رد فعل الأفراد تجاه هذه الظاهرة؛ فهناك من يقاوم الغرق فيها، في حين يستسلم آخرون أمام مغرياتها، متجاوزين بذلك ما وضعه الله سبحانه وتعالى من حدود، مما يؤدي بهم إلى ممارسة أشكال متعددة من الظلم، مثل الاستغلال والغيبة والسب، لينتهي بهم الأمر إلى الإحباط الكامل وعدم القدرة على الخروج من تلك الحفرة.
يمكن لأي شخص، بغض النظر عن مكانته أو منصبه، أن يُمارس الظلم. فقد يصبح الأب ظالماً إذا ميز بين أبنائه، او الصديق الذي يُدبِّر الأكاذيب بسبب الحسد. كما يبرز الظلم في تصرفات الأخ الذي يأخذ أموال أخيه بغير حق، والجار الذي يساء الظن بجاره دون مبرر، والزوج الذي لا يُعدل بين زوجاته، والمعلم الذي يعاقب الطالب بدون تفهم لظروفه. هناك أيضاً من يأخذ مال اليتيم، وزوجة الأب التي تُفضل أبناءها على أبناء زوجها.
جاء الإسلام ليكون سندًا للمظلومين، مقدماً العون لهم وداعمًا لحقوقهم. وقد حذّر الإسلام بشدة من مظاهر الظلم، وأكد أن الله في هذه الحياة سيجلب الظلم على الظالمين، ويجعلهم يُذوقون مرارة ما أوقعوا به غيرهم. وقد تعهد الله سبحانه وتعالى بقبول دعاء المظلومين، حتى وإن كانوا كفرة، حيث أن دعواتهم تُرفع إلى السماء بلا حجاب.
للظلم عواقب وخيمة ليس فقط على الظالم بل أيضًا على المجتمع. فهو يمزق نفس الظالم ويمحو البركة من حياته، مما يؤدي إلى الحزن والهلاك. كما يُعتبر الظلم سببًا لفشل الفرد في الدنيا والآخرة، ويجعل دعوات المظلوم تصيب الظالم بقدرٍ عظيم. فالأذى الناتج عن الظلم لا يقتصر على الظالم وحده، بل يتخطى ليؤثر في الناس من حوله. كما يُعد الظلم عائقاً أمام الهداية ويُسبب الفُرقة بين الأفراد، مما يُولد مشاعر الكراهية ويُدمر الأواصر الأسرية والمجتمعية، مما يؤدي إلى ضعف الأمم وانقراضها.
نظرًا لأن الظلم يُعد سببًا رئيسيًا لتفكك المجتمعات، فإنه من الضروري محاربته عبر كل السبل الممكنة. يجب أن تبدأ تلك المُبادرات من الأسرة، من خلال تعزيز قيم المحبة والتسامح، حيث ينبغي على الوالدين أن يكونوا قدوة في العدل والمعاملة الحسنة. تأتي المدرسة بعد ذلك لتغرس في الطلاب قيم التعاون والاهتمام بالآخرين، وذلك من خلال برامج ونشاطات تُبرز مخاطر الظلم وأهمية التسامح. وينبغي أيضًا على المديرين في المؤسسات تعزيز روح التعاون بين الموظفين وتحفيزهم على العمل الجماعي بدلاً من خلق بيئة تنافسية تؤدي إلى الحقد والكراهية.
أحدث التعليقات