إن حذيفة بن اليمان هو المُلقب بصاحب سر رسول الله وأبو عبد الله، وأحد صحابة الرسول الذين أسلموا في بداية الدعوة، ومن المسلمين الأوائل الذين ساندوا الرسول في كل الغزوات والفتوحات، تلك الشخصية العظيمة التي يغفل عنها المُسلمين سعى موقع سوبر بابا ليُبرزها ويُساعد المُسلمين من أجل التعمُق عن كُثب في دينهم.
أبوه اليمان حسل أو حسيل بن جابر بن عمر بن ربيعة بن جروه بن الحارث بن مازن بن قطيعة بن عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، لقب أبوه باليمان لأنه قتل رجلًا فهرب إلى يثرب وحالف بني عبد الأشهل، فسماه قومه اليمان لحلفه اليمانية وهم الأنصار.
أمه هي الرباب بنت كعب الأشهلية وهي من الأنصار، ولد حذيفة في القرن 6 في مكة، ولُقِبَ بصاحب سر الرسول لأن الرسول أفشى له بجميع أسماء المنافقين المحيطين بهم وأسر بأسمائهم في صدره، ولم يذيع هذا السر لأي شخص شأنه كشأن كل كاتم سر.
فقد استعان به الخلفاء الراشدين ومنهم الخليفة عمر بن الخطاب الذي كان لا يصلي على أموات المسلمين قبل أن يسأل حذيفة هل يصلي عليه أم لا خشيةً أن يكون أحد المنافقين.
إن حذيفة من المهاجرين والأنصار في آنٍ واحد؛ من المهاجرين لأنه هاجر إلى المدينة بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، ومن الأنصار لأنه حليفًا لقبيلة بني عبد الأشهل فيها.
اقرأ أيضًا: الصحابي الذي ارتد مع مسيلمة الكذاب
لقد شارك حذيفة بن اليمان في العديد من الغزوات ونالت حظًا كبيرًا من بطولاته وشجاعته ومواقفه البطولية التي تنم عن شخصية شديدة الذكاء ذو رؤية ثاقبة يعرف أن يقود ويتحكم بزمام الأمور، وبهذه الصفات الفريدة تمكن من مساندة الرسول في رحلة جهادِه ونشر الإسلام.
لم يشارك حذيفة في غزوة بدر لأنه وقع أسيرًا في أيدي كفار قريش، ولكنه تعامل مع الموقف بحنكة وحكمة وذكاء، حيث أخبرهم بأنه في طريقه إلى المدينة ولا علاقة له بمحمد وأعوانه، وعقد عهدًا معهم بعدم مقاتلتهم، فتركه كفار قريش، فهرول مسرعًا إلى الرسول ليخبره بتأهبهم للغزو، ولم يسمح له الحبيب المصطفى بالمشاركة في هذه الغزوة إيفاءً بالعهد الذي قطعه على نفسه معهم.
شارك حذيفة في هذه الغزة مؤكدًا إيمانه وولائه وحبه للإسلام وصبره عند مواجهة الشدائد، حيث قُتل والده خطأ بأيدي أقرانه المسلمين على مرأى منه محاولًا إنقاذه صائحًا (أبى أبى) ولكنه لم يستطع.
فكانت مشيئته، وتجلى صبره حين دعى لأصحابه قائلًا: (يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين)، مستكملًا دوره في الجهاد والمعركة، وحين أدرك الرسول بعد انتهاء المعركة، ازداد حب الرسول وتقديره له حين تصدق بالفدية التي أمر بها له عن وفاة والده.
لقد كان لحذيفة بن اليمان دورًا بارزًا وملحوظًا في هذه الغزوة، فشارك في حفر الخندق كما اختاره الرسول عليه الصلاة والسلام مناديًا له باسمه «يا حذيفة! اذهب فادخل في القوم فانظر ماذا يفعلون، ولا تحدثن شيئًا حتى تأتينا».
ليتفقد أثر الكفار ويدخل في صفوفهم ويتحرى تحركاتهم وأخبارهم ويزيل الستار عن أخبارهم، وذلك بعد أن تمكن الخوف منهم فتسلل بينهم امتثالًا لأمر النبي عليه الصلاة والسلام.
حينما قال أبي سفيان طالبًا من جنوده أن يتفقد كل منهم الآخر: «لينظر امرؤ من جليسه»، فأخذ حذيفة بيد الرجل الذي بجانبه وسأله عن نفسه ثم حثهم على العودة عن المدينة، وهذا من شدة فطنته وتغلبه على المواقف الخطرة.
لقد شهد حذيفة وشارك حذيفة بن اليمان في جميع المعارك والفتوحات الإسلامية مثل اليرموك 13هجريًا، وبلاد الجزيرة 17 هجريًا وشارك في فتح العراق والشام.
اقرأ أيضًا: من هو الصحابي الذي حج سرًا
حين ساء مُناخ المدائن بالعرب وكل عمر بن الخطاب أمر اختيار مكان ملائم للحذيفة بن اليمان وسلمان بن زياد، وذلك بعد أن أوصى عمر سعد بن أبي وقاص بضرورة مغادرة المكان.
حين نزلا أرض الكوفة كانت صحراء حصباء جرداء، ولكنه اختارها منزلًا للعرب والمسلمين، وهكذا بدأت رحلة التخطيط والعمران بها وحل الشفاء على المرضى من المسلمين وقوى الضعفاء منهم.
نصب الخليفة عمر بن الخطاب حذيفة بن اليمان واليًا على أهل المدائن، وحينما استقبلوه وجدوا الوالي رجلًا بسيطًا يركب حمارًا على ظهره أكاف قديم، ويمسك بيده رغيف خبز وملح.
حينها كاد يطير صوابهم فلم يعتادوا على الولاة بتلك الهيئة والمظهر في بلاد فارس، حينها قال لهم حذيفة بن اليمان معقبًا: (إياكم ومواقف الفتن)، قالوا: (وما مواقف الفتن يا أبا عبد الله؟) قال: (أبواب الأمراء، يدخل أحدكم على الأمير أو الوالي، فيصدقه بالكذب، ويمتدحه بما ليس فيه).
كان أحد المُقربين للرسول صلى الله عليه وسلم، بل سرُه ويُقال ذراع أمن له، لهذا له الكثير من الأقوال والروايات الهامة.
اقرأ أيضًا: اسم الصحابي الذي تستحي منه الملائكة في السماء ولماذا؟
توفى صاحب سر رسول الله عام 36 بالتقويم الهجري، وذلك بعد مقتل عثمان بن عفان بأربعين ليلة في المدينة المنورة، وأيضًا في وفاته يلقننا دروس وعبر تؤهلنا وتقوينا.
فحين نزل عليه بلاء الموت جزع جزعًا شديدًا ولكنه لم يخاف الموت يومًا، بل كان يخشى ما هو مقدم عليه ومن علامات زهده في الدنيا، إنه اكتفى بلفافتين من الأكفان ليس معهما قميص.
رحل حذيفة بن اليمان تاركًا لنا دروسًا عديدة منها الزهد والصبر وقوة التحمل، كما تعلمنا منه الحكمة والحرص على عدم الوقوع في الأخطاء، والفطنة وحسن التصرف.
أحدث التعليقات