لوسيان غولدمان يعتبر ناقدًا أدبيًا بارزًا له تأثير عميق في مجال النقد الأدبي الحديث. تكمن رؤيته للعالم في أن دراسة الأعمال الأدبية تتطلب فحص السياق الاجتماعي والأيديولوجي الذي ينتمي إليه المؤلفون، وذلك لفهم الرؤية العالمية التي تعكسها تلك الأعمال. من خلال هذه المقالة، نستعرض مفهوم رؤية العالم وفقًا لما طرحه غولدمان في أبحاثه.
تُعد البنيوية التكوينية منهجًا نقديًا ابتكره غولدمان كامتداد للبنيوية، حيث يقوم هذا المنهج على مفهومين أساسيين وهما البنية والتكوين. استخدم النقاد العرب مصطلحات عدة مثل البنيوية التركيبية والبنيوية التوليدية، لكن اصطلاح البنيوية التكوينية هو الأكثر شيوعًا بينهم.
ركز غولدمان في منهجه البنيوي التكويني على دراسة أوجه الشبه بين البنية الخاصة بالعمل الأدبي وبين الأنماط الاجتماعية والأيديولوجية المحيطة بالمؤلف وبعمله. من خلال هذا التشابه، تمكن من بناء أساس قوي لفهم العمل الأدبي وتحليله.
علاوة على ذلك، تسهم البنيوية التكوينية في إقامة رابط بين مجالي علم الاجتماع وعلم النفس، حيث تعترف بأهمية اللاوعي الفردي في تشكيل العالم الروائي والإبداعي.
يتأسس الفكر البنيوي على فكرة أن جميع تفكير العلوم الإنسانية يتم داخل المجتمع وليس خارجه، مما يجعله جزءًا لا يتجزأ من الحياة الفكرية والاجتماعية لذلك المجتمع.
لقد حدد غولمان العلاقة بين الحياة الاجتماعية والإبداع الأدبي باعتبارها علاقة جوهرية، تُعبر عن التوافق القائم بين النص الأدبي والبنيات الذهنية لفئة اجتماعية معينة. هذه البنيات ليست ظواهر فردية، بل هي تعبيرات اجتماعية تتعلق بما يدركه الفرد ويشعر به.
تقوم البنيوية التكوينية عند غولدمان على خمسة أسس رئيسية في مقاربتها للنصوص الأدبية، وهي:
يعد مفهوم رؤية العالم من المرتكزات الأساسية التي قام عليها منهج البنيوية التكوينية وفقًا لرؤية غولدمان، وقد استخدم العديد من المفكرين هذا المفهوم كمصدر رئيسي لإلهام أفكارهم.
عرف غولدمان رؤية العالم بأنها مجموعة من الطموحات والإحساسات والأفكار التي تجمع بين أعضاء فئة اجتماعية معينة، مما يخلق تناقضًا مع المجموعات الاجتماعية الأخرى.
يُبرز غولدمان أن رؤية العالم ليست تجربة فردية، إذ أن المبدع لا ينشئ فكرة من تلقاء نفسه، بل يقوم بصياغتها بشكل متكامل؛ مما يجعلها تنضج إلى إبداع خيالي، حيث يعبر من خلال أعماله عن مشاعر وأفكار فئات اجتماعية معينة مستندًا إلى الواقع الاجتماعي.
قم غولدمان بتطبيق هذا المفهوم النظري في دراسته لكتابات باسكال ومسرح جانسيه، مؤكدًا على أهمية اللغة كوسيلة لكشف بنية النص وتحليل مفرداته. فالمهم ليس ما يعكسه النص عن مؤلفه، بل ما يعكسه من خلال تفسير تلك الرؤية وتوضيحها عن المجتمع وصراعات طبقاته وتحولاته، مما يجعل النص يتسم بالتجدد والعمق.
تتميز رؤية العالم عند غولدمان بالشمولية والتماسك، حيث لا يمكن فهم جزء من النص إلا في سياق الكل. وقد أكد غولدمان أن هذه الرؤية تمثل وجهة نظر مترابطة وموحدة تعكس الوعي الجمعي.
من خلال تطويره لمنهج البنيوية التكوينية، أرسى غولدمان مفهوم رؤية العالم كمنظور يصف الآثار الناجمة عن دراسة الأعمال الأدبية لكتاب ينتمون إلى فئات اجتماعية تتأثر بخلفياتها الطبقية والأيديولوجية.
أحدث التعليقات