عند قراءة القرآن، نجد أنفسنا أمام مصطلح “الصراط المستقيم”، مما يدفعنا للتساؤل عن معناه الحقيقي. هل هو جسر حقيقي سنعبر عليه يوم القيامة، أم هو مسار روحي يتبعه الفرد عبر التمسك بتعاليم الله، مضيعًا الجنة هدفًا نهائيًا؟ في هذا المقال، نبحث في مفهوم الصراط المستقيم ومواقع ذكره في القرآن الكريم.
يتم تكرار الآية {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} في صلاتنا بشكل مستمر، ونحن ندعو الله لنيل هدايته. لكن هل نتوقف للحظات لنتساءل عن معنى “الصراط المستقيم”؟ في هذا السياق، سنقوم بتحليل معناه لغة واصطلاحًا.
قبل دخولنا في تفسيرات العلماء حول المعنى الاصطلاحي للصراط المستقيم، نستعرض معناه اللغوي كما ورد في “لسان العرب”:
يمكننا أن نرجع إلى بيت شعر للصحابي جرير بن عطية الخطفي، حيث يقول:
أمير المؤمنين على صراط إذا اعوج الموارد مستقيم
إذًا، تعني الكلمة “الصراط” الطريق كما هو معروف لدى العرب، حيث استخدمت في أشعارهم للإشارة إلى أي قول أو فعل، سواء كان مستقيماً أو معوجاً.
تم ذكر الصراط المستقيم في عدة آيات من القرآن الكريم، وجميعها تشير إلى مفهوم الهداية والطريق الصحيح. تختلف آراء العلماء حول دلالة هذا المصطلح. البعض يراه قرآنًا، بينما يرونه آخرون رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وسنستعرض بعض هذه الآراء فيما يلي:
إذا نظرنا إلى مواضع ذكر الصراط، نجد أنها جاءت في حوالي ثمانية وثلاثين موضعًا، بالإضافة إلى تكرار بعض مشتقاته. معظم الآيات تدور حول معاني مشتركة، وسنستعرض معاني الصراط المستقيم في المواضع التالية:
ورد الصراط المستقيم في سورة الفاتحة التي تعتبر أم الكتاب، حيث قال تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة – 6: 7].
وعند ترديد هذه الآية في الصلاة، يُعتبر دعاءً ينتظر الله إجابة العبد عليه. وقد فسّر الشيخ السعدي هذه الآية بأنها تعني الهداية إلى الطريق الصريح الذي يقود إلى الله والجنة، وبالتالي فإن معنى الصراط المستقيم في سورة الفاتحة هو الإسلام.
تم ذكر الصراط المستقيم في قوله تعالى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [البقرة، الآية 142]، حيث يشير هنا إلى مسار الهداية المستقيم.
قال تعالى: {إنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} [الآية 51، سورة آل عمران]
في التفسير الميسر، وُصف الصراط المستقيم بأنه الطريق الخالي من الاعوجاج. بينما أوضح السعدي أنه الطريق الذي يقود إلى الله وجنته.
كذلك ذُكرت لفظة الصراط المستقيم بنفس المعني في ذات السورة، حيث قال تعالى: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الآية 101، سورة آل عمران].
جاء ذكر الصراط المستقيم في سورة النساء حيث قال تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} [الآية 175، سورة النساء].
وفي التفسير الميسر، وُصف بأنه الطريق المستقيم الذي يوصل إلى جنات النعيم. بينما في تفسير الجلالين، تم اعتباره دين الإسلام.
وُصف الصراط المستقيم في سورة المائدة بأنه الدين القويم، كما جاء في التفسير الميسر حيث قال تعالى: {َيهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الآية 16، سورة المائدة].
قال تعالى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الآية 39، سورة الأنعام]. وتبين هذه الآيات نفس معاني الصراط المستقيم الذي يشير لدين الإسلام.
هناك اعتقاد راسخ بأن الصراط المستقيم يمثل جسرًا فوق جهنم يوم الحساب، ولكن لا يمكننا تأكيد مادية هذا الصراط. إذ لم يرد أي ذكر له في أقوال السلف أو تفسيرات الأئمة. لذا اعتبر بعض العلماء أن للصراط المستقيم بعدين:
في الختام، بعد أن استعرضنا معنى الصراط المستقيم وتكرار ذكره في القرآن، نستطيع أن نستنتج أن الصراط المستقيم هو طريق الله ودين الإسلام الذي يسير عليه المسلم، وعليه أن يتحلى بالاستقامة ليضمن ثباته على صراط الآخرة.
أحدث التعليقات