ما هو الحلم؟ وما هي الرؤيا؟ وما الفرق بينهما؟ وهل هناك دلائل تجعل الإنسان بعد استيقاظه يفرق بينهما؟ فلا شك أن كليهما أمر يراه النائم في نومه رؤيا غير حقيقية ولا تخضع للقوانين البشرية الطبيعية فيمكنه كسر حاجز الزمان والمكان، وهذا ما سنوضحه بموقع سوبر بابا.
يرى النائم في نومه أشياء كثيرة منها يرى أشياء محببة إلى نفسه يتمناها، ومنها ما يراه من أمور يشتاق لها، كالنائم الظمآن الذي لم يجد ماء في الحقيقة وشارف على الهلاك، فإنه ربما يرى شلالات مياه، ومنها ما يرى أن حلمًا من أحلامه الدنيوية تحققت كزواج أو تخرج أو وظيفة، فهذا النوع يسمى حديث نفس.
حديث النفس لا تعبير له ولا تفسير، وأحيانًا يتذكره الإنسان بعد استيقاظه وأحيانًا لا يتذكره بتاتًا.. ليستيقظ من نومه بلا أي ذاكرة عما رآه في نومه، كما لا تحمل دلالة.
هناك رؤى لشيء يكون الإنسان مشغولًا به ويفكر به ليل نهار ولا يذهب عن باله ويفكر به في كل أحواله، فمن الطبيعي أن يراه في نومه وكأن عقله يستكمل معه ما كان يفكر فيه، مثل غائب مُفتقد يحلم أنه قد عاد له ما فقد.
الحُلم بضم الحاء.. هو ما يراه النائم في نومه وهو ما يكرهه الإنسان أو ما يقلق منه، وهو يختلف عن الحِلم بكسر بمعنى الأمنية والغاية التي يتمنى الإنسان الوصول إليها ومنها حلم الشهر وحلم الفوز والغلبة وهكذا.
معنى الرؤيا في اللغة هي المشاهدة اليقينية وهي من الله يريها للإنسان المسلم وتُطمئن قلبه ويقوم مستبشرًا بها، ولعلها سميت بالرؤيا من اسمها كأنها حقيقة واقعة يكاد يراها ويثق بها المؤمن، ولعلّ ذلك هو السبب في أن الله سبحانه استعمل لفظ “الرؤيا” بمعنيين، الأول الرؤيا المنامية والثاني الرؤيا الحقيقية.
فقال سبحانه عن سيدنا إبراهيم عليه السلام لما رأى رؤيا بمنامه أنه يذبح ابنه إسماعيل -ورؤيا الأنبياء حق- فقام على الفور ليذبح ولده امتثالًا لها فقال الله له “وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ” فاستعملت هذه المرة عن الرؤيا المنامية.
استعملها في المرة الثانية عن الرؤيا الحقيقية فقد قال الله لرسوله صلى الله عليه وسلم في سورة الإسراء في تعقيبًا على حادثة الإسراء والمعراج “وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ”، وحادثة الإسراء والمعراج كانت على الحقيقة لا على المنام وإلا فما كانوا ليكذبوه لو كانت منامًا، فالمنام ليس له أحكام زمان ولا مكان.
اقرأ أيضًا: علاج الكوابيس المتكررة بالقرآن
لكي نعرف ما هو الحلم وما هي الرؤيا نقسم ما يراه الناس في نومهم إلى ثلاثة أقسام، وفق معيار واحد فقط هل هذا خير أم شر وما هو الحلم وما هي الرؤيا وكيف نفرق بينهما؟
شيء يراه الإنسان في نومه فيقوم هادئًا مطمئنًا بها بل ومستبشرًا بها أيضا ويود أن يحدث بها كل الناس، فمن يرى أنه رأى الرسول -صلى الله عليه وسلم- كيف تتصور شعوره وقتها أنه يكاد يبتسم مطمئنًا مُنشرح الصدر وإن كان به كرب الدنيا ويتمنى أن يخبر كل من يلقاه بهذه الرؤيا.
شيء أيضًا يراه الإنسان في نومه، ولكن يقوم مفزوعًا منه وخائفًا على نفسه أو على من يحب، كمن يرى نفسه في مكان والنيران تحيط به أو يطارده وحش من الوحوش أو ما شابه، فهذا هو الحلم الذي يتسلط به الشيطان على الإنسان ليفزعه ويخيفه فالواجب حينها أن يتفل الإنسان على يساره ثلاثًا ولا يتحدث بها أمام أحد لأنها إذا عبرت وقعت.
فأحيانًا يرى النائم سلسلة أفلام في نومه وأحداثا غير مترابطة ولا يوجد بينها موضوع، وتجده قبل أن ينام ملأ بطنه بالطعام وأكثر من أشكاله وألوانه فانعكس ذلك على أحلامه فصارت خليطًا غير متجانس، وهذه لا تفسير لها ولا يستدل بها على شيء.
قد أحسن جلساء ملك مصر حينما رأى رؤيا وطلب منهم تفسيرها فقال: “وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ ۖ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ” لكنهم لم يكونوا أصحاب علم في تفسير الأحلام فلم يفهموها ولم يستطيعوا تعبيرها فقالوا “قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ ۖ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ”.
قال العلامة ابن باز أن الحلم والرؤيا شيء واحد: “الحلم هو الرؤيا لكن يطلق الحلم على ما كان من لعب الشيطان وإلا فيقال: حلم، ويقال: رأى، فالرؤيا الصالحة من الله والحلم من الشيطان، يعني: ما يكرهه الإنسان هذا من الشيطان، وما ليس بمكروه فهو من الله، ولهذا في الحديث الصحيح: الرؤيا الصالحة من الله، والحلم من الشيطان فإذا رأى ما يكره فهذا من الشيطان، وإذا رأى ما يسره فهذا من الله“.
هذا هو القول الذي وضحه النبي للأمة بقوله: “إذا اقْتَرَبَ الزَّمانُ لَمْ تَكَدْ تَكْذِبُ رُؤْيا المُؤْمِنِ، ورُؤْيا المُؤْمِنِ جُزْءٌ مِن سِتَّةٍ وأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ، وما كانَ مِنَ النُّبُوَّةِ فإنَّه لا يَكْذِبُ. قالَ مُحَمَّدٌ: وأنا أقُولُ هذِه. قالَ: وكانَ يُقالُ: الرُّؤْيا ثَلاثٌ: حَديثُ النَّفْسِ، وتَخْوِيفُ الشَّيْطانِ، وبُشْرَى مِنَ اللَّهِ، فمَن رَأَى شيئًا يَكْرَهُهُ فلا يَقُصَّهُ علَى أحَدٍ ولْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ. قالَ: وكانَ يُكْرَهُ الغُلُّ في النَّوْمِ، وكانَ يُعْجِبُهُمُ القَيْدُ، ويُقالُ: القَيْدُ ثَباتٌ في الدِّينِ” صحيح البخاري.
لماذا قال النبي عن الرؤيا الصادقة جزء من ست وأربعين جزءًا من النبوة؟ قال العلماء إن النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- ظل يرى الرؤيا الصادقة لمدة ستة أشهر، وكانت مدة البعثة ثلاثًا وعشرين سنة، فتكون الرؤيا الصادقة جزءًا من ست وأربعين جزءًا من النبوة.
اقرأ أيضًا: أحلام تدل على الأعداء
البعض يأتي له في المنام والده المتوفي، فيقول له افعل كذا وكذا، أو أطلق اسم كذا على ابنك، والبعض الآخر يأتي لهم شيخٌ جليل يأمرهم بفعل أمرٍ ما، أو ينهاهم عن آخر.
لكن هذا لا يُعتبر من الدين، ولا نأخذ أحكامه بهذه الطريقة، فعندما نزلت آخر آيات القرآن “الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا” بعدها توفي الرسول -صلى الله عليه وسلم- فكان الدين مكتملًا حينها فلا يحتاج لزيادة ولا يستطيع أن ينقص منه أحد.
يمكن أن يلتزم الرائي بالفعل أو بالترك بشرط أن يكون هذا موافقا لهدي النبي -صلى الله عليه وسلم- ويفعل على سبيل الاستحباب لا على سبيل الوجوب.
للرؤيا الصادقة دلائل، فإذا اجتمعت كانت أقرب على أن تكون رؤيا صادقة من غيرها من الرؤى.
ما هو الحلم؟ وهو هو علم؟ فتفسير الأحلام علم فهو يعرف ما هو الحلم وما هي الرؤيا فلا ينبغي أن يدخل فيه من لا يعلمه ومن لا يحسنه فإن الرؤى والأحلام تكون على البشارة والإنذار فينبغي أن يتقدم لها من هو أهلها، بينما يسكت ويقول الله اعلم كل من يعلم علمها لأن كل تأويلها بشكل يختلف عن الآخر حتى لو تشابهت.
فمثلا جاء رجل إلى ابن سيرين -رحمه الله- وقال له إني رأيت في منامي كأني أؤذن فقال ابن سيرين على الفور ستقطع يدك إن شاء الله، فجاء بعد برهة رجل آخر وقال له رأيت في منامي أني أؤذن فقال ابن سيرين على الفور ستحج إن شاء الله، فتعجب جلساؤه غاية التعجب كيف يقول إجابتين متضادتين لرجلين رأيا شيئًا واحدً؟
فقال ابن سيرين أما الأول فتفرست فيه علامات الفساد وسوء الخلق فوقع في قلبي قول الله عز وجل “أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ” فقلت له سيقام عليك حد السرقة، وأمّا الآخر فتوسمت فيه الصلاح والتقوى فوقع في قلبي قول الله عز وجل “وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا” فأخبرته أنه سيأتي مكة حاجًا.
إذن الرؤيا واحدة، وقد أوّلها تأويلين مُختلفين بحسب الأشخاص، وأيضًا تم تأويل البقرة بالسنة في رؤيا الملك سبع بقرات، فسرها يوسف عليه السلام بسبع سنين، وفسر نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- البقر بنفر من أصحابه في رؤياه قبل يوم أحد فقال: “رأيتُ كأني في دِرْعٍ حصينةٍ، ورأيتُ بقَرًا تُنْحَرُ، فأوَّلْتُ أنَّ الدِّرْعَ الحصينةَ المدينةُ، وأنَّ البقرَ نَفَرٌ”.
فلا يتحدث أحد في تأويل الأحلام إلا من تعلم هذا العلم، فالإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة كبر في العلم، إلا أنه لم يكن يعلم بتفسير الأحلام، وكان يذهب للإمام محمد بن سيرين إذا رأى رؤيا ليفسرها له.
ماهية الحلم والرؤى بينها لنا أشهر مفسري الأحلام في التابعين وما بعدهم.
اقرأ أيضًا: من هو ابن سيرين
ماهية الرؤيا بينها القرآن الكريم، فقد كان لها نصيب في كتاب الله سبحانه حيث حفلت حياة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام جميعًا بالعديد منها.
هي الرؤيا التي رآها ويقوم بذبح ابنه إسماعيل فقام لتنفيذ الأمر لكنه أخبر ابنه ليقوم بطاعة العبودية لله حتى وهو يذبح فقال الله عز وجل “فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105)” سورة الصافات.
رأى يوسف وهو صغير رؤيا عجيبة على مخيلة طفل فقد رأى الشمس والقمر وأحد عشر كوكبًا ساجدين له فقال الله سبحانه “إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ”، فقصها على أبيه يعقوب عليه السلام، فتوقف الأب عندها وعلم أنها رؤيا حق ولها ما بعدها.
فقال لابنه يوسف: “قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا ۖ إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ” فنصحه ألا يتحدث بها ليس لأنها سيئة بل لأنها حسنة جدًا ومبشرة، فخشى عليه أن يحسده إخوته عليها فيريدون به الأذى، فامتثل يوسف عليه السلام لأوامر أبيه.
لما دخل يوسف -عليه السلام- السجن ظلمًا دخل معه رجلين فرأى كل واحد منهما رؤيا فطلبا أن يقص كل منهما رؤياه على يوسف ليعبرها، فقال الله: “وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ ۖ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا ۖ وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ ۖ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ ۖ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ”.
فأخبرهما يوسف عليه السلام بنجاة أحدهما وهلاك الآخر فقال الله سبحانه: “يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا ۖ وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ ۚ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ”.
رأى الملِك رؤيا أهمته وأقلقته جاء فيها كما قال الله سبحانه: “وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ ۖ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ”، لكنهم ما قالوا شيئًا مما جعل الساقي يذكر لهم أنهم عندما رأوا رؤيا في السجن فسرها لهم سجين معهم يقال له يوسف.
فذهب إليه وقص عليه الرؤيا فلم يستغل يوسف الموقف بل عبر لهم الرؤيا بكل ما فيها حتى بالنصيحة الشخصية منه لوجهة نظره فأخبرهم بكل تفاصيلها فقال الله سبحانه: ” قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تُحْصِنُونَ (48) ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49)” سورة يوسف.
إذا رأيت رؤيا لا تشغل نفسك بتعبيرها، ولا تقصها إذا كانت حسنة إلا على عالم أو مُحب، واحذر من أن تكذب في الرؤيا، إذا كانت سيئة فلا تذكرها مطلقًا.
أحدث التعليقات