سورة الأنفال
تُعرف سورة الأنفال بعدّة تسميات، منها: سورة القتال، نظراً لمناقشتها لأحداث المعركة الأولى في الإسلام. كما تُسمى أيضاً سورة الفرقان، بناءً على قول الله -تعالى- فيها: (يَومَ الفُرقانِ يَومَ التَقَى الجَمعانِ). تُعرف أيضاً بسورة بدر، إذ نزلت بعد غزوة بدر، ووصفت مجرياتها. وفقًا لما ورد عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه، فإن سورة الأنفال نزلت بعد بدء نزول سورة البقرة، التي تُعتبر من أولى السور التي نزلت في المدينة المنورة. يُشار إلى أن سورة الأنفال نزلت دفعة واحدة، ولا تحتوي على أي آيات مكية أو آيات ناسخة، وهي تُصنف كالسورة الثامنة في ترتيب المصحف العثماني، حيث تأتي بعد سورة الأعراف وقبل سورة التوبة.
معنى الأنفال
الأنفال تُشير في اللغة إلى الاسم، والمفرد منها هو: نفل، ويقصد بها الغنائم، أما المفرد من الغنائم فهو: غنيمة. تُعتبر الأنفال أيضاً عنواناً لسورة في القرآن الكريم، وهي سورة مدنية تتكون من خمس وسبعين آية. اصطلاحاً، يمكن أن تشير الأنفال إلى ما يكسبه المسلمون من الغنائم بعد مواجهة أعدائهم، كما تُشير أيضاً إلى ما ينفله الإمام لأفراد معينين من السلب أو غيره، بعد توزيع الغنائم. تمتاز الغنائم بأنها مَكنة خاصة للمسلمين، وفقاً لقول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (أُعطِيتُ خَمساً لم يُعطَهنّ أحَدٌ قبْلي…)، حيث يفترض أن تتسم الغنائم بالشرعية التي تميز المسلمين عن الأمم الأخرى.
أحكام الأنفال في الإسلام
لقد حدد العلماء عدة أحكام تتعلق بالأنفال، ومنها:
- إن موضوع الأنفال يختص بالله تعالى ولرسوله صلّى الله عليه وسلّم، حيث يقرر الله -تعالى- كيفية تقسيم الأنفال، ويقوم الرسول بتنفيذ أوامره. يشير البعض إلى أن قول الله تعالى: (يَسأَلونَكَ عَنِ الأَنفالِ قُلِ الأَنفالُ لِلَّهِ وَالرَّسولِ…) منسوخ بقوله: (وَاعلَموا أَنَّما غَنِمتُم مِن شَيءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ…)، إلا أن جمهور العلماء يؤكدون عدم نسخها، ويعتبرون أن الآية الأولى تلخص حكم الغنائم، بينما الآية الثانية تحدد تفاصيل الأحكام، حيث يُخصص خُمُس الغنائم للصرفيات المذكورة في الآية، بينما يُقسم باقي الغنائم على المجاهدين.
- تباينت آراء العلماء حول حكم التّنفيل، والذي يعني إعطاء بعض المجاهدين نصيباً من الغنائم قبل توزيعها، حيث يحق للإمام ذلك قبل أخذ الخُمس. يرى جمهور العلماء أن ذلك يجوز، وذلك بناءً على قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم في غزوة بدر: (مَن قَتلَ قتيلاً فلَهُ كذا وَكَذا). بينما ينقل عن الإمام مالك بن أنس أنه يُفضل تجنب ذلك، مبرراً بأن القتال يصبح لغايات دنيوية. أكد ابن العربي أن القتال يجب أن يكون بهدف إعلاء كلمة الحق، رغم نية القتال للحصول على الغنائم.
- تناقشت الآراء حول وقت التّنفيل، هل يُخصص من أصل الغنائم أو من الخُمس؟ حيث ذهب الإمام مالك والإمام أبو حنيفة إلى اعتبار التنفيل من الخُمس، مستندين إلى قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (لا يحِلّ لي ممّا أفاء اللهُ عليكم قَدرَ هذه…). ومن جهة أخرى، يتبنى الإمام الشافعي الرأي القائل بأن التّنفيل يكون من أصل الغنيمة.
- توزع الغنائم على من شهد القتال، سواءً قاتل أم لم يقاتل، إذ يجب أن تتوفر شروط معينة لتلقي حصص الغنائم، منها: الإسلام، والبلوغ، والعقل، والحرية، والذكورية.
- إن الإمام هو من يتولى توزيع الغنائم، حيث تُقسم إلى خمسة أقسام؛ قسمٌ لله وللرسول، وقسمٌ لذوي القربى، وقسمٌ لليتامى، وقسمٌ لابن السبيل، وقسمٌ للمساكين، بينما يتوزع الأربعة أخماس المتبقية على المجاهدين، حيث يُعطى المجاهد المترجّل سهماً، ويُمنح المجاهد الفارس ثلاثة أسهم.
- يعتبر الغلول من الغنائم، أي السرقة منها، من كبائر الذنوب. والحكم بشأنه ثابت سواء كثر أو قلّ، حيث يُعتبر أكلًا محرمًا لأموال المسلمين، ويمكن أن يؤدي إلى تفكك صف المجاهدين وزيادة احتمالية الهزيمة، بالإضافة إلى أن للإمام الحق في اتخاذ الإجراءات اللازمة ضد من يغُلّ.
أحدث التعليقات