لقد أُرسلت لأكمل أسمى مبادئ الأخلاق.

إن رسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” تجسد هدف مسيرته النبيلة للإنسانية جمعاء. فقد جاء النبي الكريم حاملًا شعلة نور أنارت العالم بالعدل والرحمة والتسامح، ووضعت رسالته صلى الله عليه وسلم معالم العالم الإسلامي الجديد.

الهدف من بعثة النبي

لقد أبرز الله سبحانه وتعالى مكانة نبيه الكريم في العديد من الآيات القرآنية، ومن أبرزها:

  • قوله تعالى: “وإنكَ لعلى خلقٍ عظيم” ويقول الصادق الأمين عن نفسه “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”.
  • كما قال: “وإنَّ اللَّهَ نَظَرَ إلى أَهْلِ الأرْضِ، فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ، إِلَّا بَقَايَا مِن أَهْلِ الكِتَابِ” وذلك قبل بعثته صلى الله عليه وسلم.
  • فقد استحقوا المقت، إذ انتشرت بينهم مظاهر الشرك والوثنية، حيث كان هناك من يعبد الأوثان وآخرون يسجدون للبقار، وثالث يخشى النار.
  • بينما كانت هناك فئة تعيش بدون دين، ظنوا أن وجودهم عبث وأن غرضهم هو تلبية احتياجاتهم المادية فقط.
    • مع الشرك انتشرت العادات الجاهلية وفُصِلَت الأرحام وتزايدت الظلم.
  • كما انتشرت الخمر والزنا وظلم الناس، مما جعل العالم مظلمًا إلا لقليل من أهل الكتاب الذين ظلوا على عبادة الله.
  • على الرغم من ذلك، تمتع العرب ببعض الصفات الحميدة التي تميزوا بها بين الأمم الأخرى.
    • شمل ذلك الشجاعة والكرم والمروءة ومساعدة المحتاجين والصدق.
  • ثم كان تأهيلاً إلهيًا لبعثة النبي الكريم، حيث غُرست في العرب قيم وأخلاق حسنة تجعلهم جزءًا من أكرم أمة أخرجت للناس.
  • وقد نزل النبي ليبني هذه القيم وليطهرها وينقيها من كل ما هو مستهجن.
  • ولهذا قال صلى الله عليه وسلم (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).

بعثة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم

كانت بعثة الصادق الأمين بمثابة بداية جديدة للتوحيد والعدل والمحبة والتسامح، كما يتضح من النقاط التالية:

  • ظهرت بعثته صلى الله عليه وسلم كفجر يضيء بعد ظلام الليل البهيم، ليطرد الظلمات.
    • ويساهم في نشر شعاع النور في جميع أنحاء الكون.
  • حمل النبي رسالة الإسلام كتاج الجودة مضيفةً للرسالات الأخرى، ومؤكدةً لأركان الدين.
  • وظلت آيات الله تعالى تشير إلى أهمية الاقتداء بالأنبياء السابقين فقال تعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ).
  • وهذا يدل على أهمية العمل بالتعاليم السابقة التي تجسد القيم الأخلاقية.

التغييرات الإيجابية التي أدخلها الإسلام على العرب

قال صلى الله عليه وسلم: “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”، وهذه العبارة تلخص جوهر رسالته. وفيما يلي بعض الإيضاحات:

  • كان العرب قبل الإسلام يتصفون ببعض القيم الحميدة التي أثنى عليها النبي الكريم.
  • إضافةً إلى بعض المواقف والمبادرات التي استحسنها الرسول وتفاخر بها.
  • ومن بينها حزب الفضول، حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “لقد شهدتُ مع عمومتي حلفاً في دار عبد الله بن جدعان ما أحبَّ أنَّ لي به حمر النعم، ولو دعيت به في الإسلام لأجبت”.
  • تعاهدت القبائل في هذا الحزب على مساعدة المظلومين والتكاتف في الأزمات.
  • ووفقًا للحديث، سُمي بحزب الفضول نسبة إلى مؤسسيه.
    • وهم: الفضل بن فضالة، والفضل بن الحارث، والفضل بن وداعة.
  • شرع النبي منذ اليوم الأول في بعثته إلى نشر تعاليم الدين السمحة، داعيًا إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.
  • كان من أهم ما دعا إليه هو القضاء على العادات الجاهلية كالتفاخر بالأنساب والعصبيات التي حذر الرسول منها.
  • رفع الرسول الصوت ضد هذه الانتماءات بقوله الشهير “دَعُوهَا، فإنَّهَا مُنْتِنَةٌ”.
    • وقال الله تعالى في كتابه الكريم “إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ”.
  • كما حرم الإسلام وأد البنات، مُكرّمًا مكانتهن ومحرمًا قتلهن.
    • بينما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “استوصوا بالنساء خيراً”.
  • وأيضًا نهى القرآن عن ذلك في قوله: “وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُ”.

جهود النبي محمد في محاربة الجاهلية

منذ البداية، عمل النبي الكريم على مكافحة مظاهر الجاهلية وتحويل الصفات السيئة إلى صفات إيجابية من خلال:

  • توجيه دعوة للاقتداء بالأخلاق الفاضلة والصفات الحميدة.
  • وذكر النبي في حديثه: “إن من أحبكم إلي أحسنكم أخلاقاً”.
  • كما دعا لتقدير كبار السن ورحمتهم، وضرورة العطف على الصغار.
    • قال: “ليس منا من لم يعرف حق كبيرنا، ويرحم صغيرنا”.
  • حذر النبي في المعاملات التجارية من الغش والخداع.
    • حيث قال: “من غشنا فليس منا”.
  • كما قال عن المعاملات: “البائعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما”.
  • أمر أيضًا ببر الوالدين والإحسان إليهما، فقال: “يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك”.
  • وفيما يخص الأسرة، قال النبي: “خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي”، وكان يقوم بخدمة أهله بنفسه.
  • كما نهى النبي عن المجاهرة بالذنب والتفاخر به، فقال: “كل أمتي معافى، إلا المجاهرين”.
    • فقال: “وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملًا، ثم يصبح وقد ستره الله، فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا”
  • حث أيضًا على كفالة اليتيم، حيث قال: “أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا.”
    • وأشار بالسبابة والوسطى ورجَّج بينهما شيئًا.

صحة حديث “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”

حديث “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” هو حديث صحيح عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، رواه الإمام مالك في “الموطأ” بلاغًا، وكذلك الإمام أحمد في “المسند” والحاكم في “المستدرك”، والبخاري في “الأدب المفرد”.

نص الحديث: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”.

تخريج الحديث:

  • رواه الإمام مالك في “الموطأ” (كتاب حسن الخلق، باب ما جاء في حسن الخلق) بلاغًا.
  • رواه الإمام أحمد في “المسند” (رقم 8952).
  • رواه الحاكم في “المستدرك على الصحيحين” وصححه.
  • رواه البخاري في “الأدب المفرد” (رقم 273).

صحة الحديث:

الحديث صحيح بناءً على طرقه المتعددة والمصادر الموثوقة. وقد صحح العلماء المتخصصون في علم الحديث، مثل الإمام الألباني، هذا الحديث.

Published
Categorized as معلومات عامة