الصبر عند اللحظة الأولى للابتلاء
يستحق الصابرون أجرًا عظيمًا من الله تعالى، ونستعرض فيما يلي مفهوم الصبر عند اللحظة الأولى من المصيبة وأهمية أجره:
- مفهوم الصبر عند اللحظة الأولى: يُقصد بالصبر عند اللحظة الأولى هو الثبات في مواجهة المصيبة عندما تحدث، وهو نوع من الصبر شديد وصعب، فعندما تحدث المصيبة يكون الصبر أصعب، لذلك أعدّ الله -سبحانه وتعالى- جزاءً أعظم لمن يصبر في تلك اللحظات الحرجة. ومع مرور الوقت، قد يصبح تحمل الإنسان للمحنة أسهل، لذا يُعتبر الصبر في اللحظات الأولى هو الأهم، وليس المقصود به غياب الحزن أو التعبير عن المشاعر، فقد قال النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-: (تَدْمَعُ العَيْنُ وَيَحْزَنُ الْقَلْبُ)، فلا يُلام الإنسان على حزنه أو بكائه، فهذه هي سلوكيات إنسانية طبيعية.
أما في اللغة، فإن “صبر” تعني: “تحمل واحتمل بدون جزع، والانتظار في هدوء وثبات”، بينما في الاصطلاح فإن: “هو حبس النفس على طاعة الله أو عن المعصية أو على تقدير الله المؤلم”.
- عظمة أجر الصبر عند اللحظة الأولى: نظرًا لصعوبة الصبر في الأوقات الصعبة، فقد بشر الله عباده الذين يتحملون المصائب بقوله: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ* الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّـهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ). واستكمل بيان جزائهم بقوله: (أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ). وقد قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: “نِعْمَ الْعِدْلانِ، وَنِعْمَت الْعِلَاوَةُ”. والمقصود بالعدْلين الصلاة والرحمة، وبالعلاوة الاهتداء، وهذا يدل على أن البشرى التي وعد بها الله الصابرين تشمل الصلاة والرحمة والهدى، فما أجمل هذا الجزاء للمسلم.
- سبب عظمة الأجر للصبر عند اللحظة الأولى: يعود سبب عظمة الأجر عند بداية المصيبة إلى ما قد يفعله الإنسان من أفعال تعبر عن السخط وعدم الرضا بقضاء الله في تلك الأوقات، لذا فإن الأجر الأعظم للصبر يكون عند بداية الابتلاء، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى).
وقد وردت قصة عن امرأة كانت تبكي على ابنها المتوفي، فلقيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: (اتَّقِ اللهَ وَاصْبِري)، فردّت عليه: “وماذا أفعل بمصابتي هذا”، فلما ابتعد، قيل لها إن هذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فتأثرت كثيرًا، وعادت إليه، ولم تجد أحدًا عند باب رسول الله، فقالت: “يا رسول الله، لم أعرفك”. فقال: “إنما الصبر عند أول صدمة”. لذا يُشجع على الصبر في بداية المحنه، فالصبر الكامل الذي يستحق الأجر العظيم هو ما يظهر من إيمان القلب في تلك اللحظات العصيبة.
آداب الصبر
تمتلك آداب الصبر أهمية كبيرة يجب على المسلم مراعاتها ليتحقق صبره الكامل وينال الأجر العظيم من الله -سبحانه وتعالى-، وفيما يلي أبرز هذه الآداب:
- الرضا والتسليم بقضاء الله وقدره: يُعد الرضا بقدر الله من أهم الأمور التي كتبها الله -سبحانه وتعالى- على البشر، فيجب على المسلم تهيئة نفسه للقبول بما قدره الله. كل شيء بيد الله، كما قال -تعالى-: (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ في الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا).
- الاستعانة بالله والتوكل عليه: يجب على المسلم أن يستعين بالله وأن يثق به تمام الثقة بأن التعويض قادم، فعندما تكون ثقة الإنسان بالله كبيرة، يُخفف البلاء، ويزداد صبره واطمئنانًا لما كتب الله.
- حسن الظن بالله: يجب على المسلم أن يعتقد بجدية بأن الحكمة والخير فيما اختاره الله، وأن الله يختبر عباده ليظهر صبرهم وإيمانهم. يوضح الله -تعالى- في الحديث القدسي: (أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي).
- الإخلاص لله: يتطلب الإخلاص في الصبر النية الخالصة لوجه الله، وذلك من أجل ابتغاء رضاه وثوابه وليس للتفاخر أمام الآخرين.
- عدم تمني الموت: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن تمني الموت، فقد يُظهر ذلك فقدان الأمل والثقة بالله. لذلك، يجب أن يدعو: “اللَّهُمَّ أَحْيِينِي ما كانتِ الحياةُ خيرًا لي”.
- سكون الجوارح واللسان: ينبغي على الإنسان الامتناع عن أي تصرف يغضب الله مثل النواح والصراخ عند الصدمة.
- عدم كثرة الشكوى: فالشكاية المتكررة تعبر عن عدم الرضا، وعلينا التركيز على الاستعانة والملجأ لله.
أنواع الصبر
هناك ثلاثة أنواع رئيسية للصبر:
الصبر على طاعة الله
يدل الصبر على طاعة الله على تحمل مشاق العبادة التي أمر بها الله -تعالى-، حيث أن الطاعات تتطلب قوة وإرادة، حتى لا يمنعنا الكسل من أداء الصلاة أو البخل عن الزكاة. فالصيام من العبادات التي تحتاج إلى صبر كبير لأدائه.
الصبر عن معصية الله
الصبر عن المعاصي يشمل الابتعاد عن المحرمات ومجاهدة النفس للحرص على عدم ارتكاب ما يغضب الله. فالصبر عن المعاصي هو من الأصعب، ولكنه يدخل صاحبه الجنة، كما قال الله -تعالى-: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى).
الصبر على المحن والمصائب
الصبر على المصائب يكون عبر الرضا بتقدير الله وعدم السخط، فهو يورث رضا الله والعوض الجميل. تذكّر أن البلاء هو جزء من الحياة، وقد يكون علامة على حب الله.
فضائل الصبر
تتعدد فضائل الصبر، ومن أبرزها:
- صلوات الله ورحمته للصابرين: بشر الله -تعالى- الصابرين بأنّ لهم صلاة ورحمة وهداية.
- معية الله للصابرين: فإن الاستعانة بالله تؤدي إلى السعادة والراحة في القلوب.
- محبة الله للصابرين: فقد قال الله: (وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ).
- الصبر سبب لدخول الجنة: كما جاء في قوله -تعالى-: (أُولَـئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا).
- الصابرون ينالون أجورهم بغير حساب: يُكتب للصابرين دخول الجنة من غير حساب.
- المصائب مكتوبة في اللوح المحفوظ: كما ورد في الآيات الكريمة.
- الله يجزي الصابرين بأحسن ما كانوا يعملون: يضاعف الله أجر الصابرين ويدعمهم.
فالصبر هو أحد أهم أسس النجاح في الدنيا والآخرة، وينبغي على كل مسلم أن يتحلّى به ليتمكن من الوصول إلى الأجر العظيم وتفريج همومه.
أحدث التعليقات