أوصى الله -سبحانه وتعالى- عباده بالتقوى، إذ قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ). ابتدأت هذه الآية بدعوة الله للمؤمنين الذين آمنوا به وبرسوله -صلى الله عليه وسلم-، ثم جاءت التوصية لهم بالتقوى.
هذه التقوى تتمثل في الحرص على تنفيذ ما أوجبه الله عليهم، وتجنب ما نهى عنه، والالتزام بتعاليمه، والوفاء بالعهد الذي أخذه الله منهم. ومن ذلك التمسك بالتقوى في المواقف التي اختبرهم الله فيها، مثل الخروج مع رسول الله للجهاد في سبيله، وكذلك في مواجهة الابتلاءات والصعوبات.
وقد جاء الأمر في الآية بالاقتداء بالصادقين والتأسي بأخلاقهم، وذلك من خلال الإيمان الذي يؤكد على طاعتهم لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-. ومن هنا تتجلى علاقة هذه الآية بما قاله الله -تعالى-: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّـهَ عَلَيْهِ). وقد فسر البعض الصادقين بأنهم هم الذين ذكرهم الله في قوله: (لَقَد تَابَ اللَّـهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ).
ويُفهم من ذلك أن الصادقين هم أمير المؤمنين أبو بكر، وعمر بن الخطاب، أو الثلاثة الذين تخلفوا عن رسول الله، حيث إنهم نالوا النجاة بصدقهم. وتفسير آخر يعتبر أن الصادقين هم المهاجرون، الذين وردت الإشارة إليهم في قوله -تعالى-: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّـهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ أُو۟لَـئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ). كما يقال إن الخطاب يشمل جميع المسلمين، بمعنى الحث على أن يكونوا جميعاً من الصادقين.
ويُذكر أن أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- استخدم هذه الآية في مؤتمر السقيفة، حيث قرأ قوله -تعالى-: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا)، واستفسر من الأنصار حول من هم الصادقون. فرد الأنصار بأنهم هم، ثم قرأ قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)، مشيراً إلى أنه قد أمرهم الله أن يكونوا معهم، ولم يأمرهم أن يكونوا مع الأنصار، وهذا يدل على مكانتهم.
روى كعب بن مالك -رضي الله عنه- حادثة تخلُّفه عن غزوة تبوك، حيث قال: (فَوَاللَّهِ مَا أعْلَمُ أَحَدًا أَبْلَاهُ اللَّـهُ فِي صِدْقِ الْحَدِيثِ أَحْسَنَ مِمَّا أَبْلَانِي). وقد نزلت الآية بعد أن استمع النبي -صلى الله عليه وسلم- لعذرهم وأظهروا حزنهم بعد تخلفهم بلا مبرر، فقرر مقاطعتهم لمدة خمسين ليلة وكان عليهم الابتعاد عن نسائهم. وقد اجتمع المفسرون على صحة هذا السياق.
أحدث التعليقات