قصيدة “صوت صفير البلبل” للأصمعي: تحليل القصة والمضمون

قصيدة “صوت صفير البلبل” تسلط الضوء على لقاء الأصمعي بالخليفة العباسي أبو جعفر المنصور، وتحمل في طياتها دروسًا وعبرًا قيمة. عبر موقعنا، سنستعرض تفاصيل حكاية هذه القصيدة الشهيرة.

قصة قصيدة صوت صفير البلبل

كان الأصمعي على علم بأن الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور له سياسة صارمة تجاه الشعراء. فقد كانت العادة السائدة في ذلك الوقت أن الشاعر يحصل على وزن ما كتب من الذهب عند مدح الخليفة. غير أن الخليفة كان يتمتع بذاكرة حادة، حيث كان يحفظ القصائد منذ الاستماع الأول لها.

استخدم المنصور ذكاءه للتلاعب بالشعراء، فكان لديه غلام يحفظ القصائد بعد استماعه لها مرتين، وجارية تحفظها بعد الاستماع ثلاث مرات. وعندما ينتهي الشاعر من إلقاء قصيدته، كان المنصور يتذرع بأنه استمع إليها من قبل. وقد بدأ الأصمعي يشكك في الأمر، فدعا في نفسه بأن هناك مكرهًا وحيلةً في الموضوع.

قرر الأصمعي إعداد قصيدة تحتوي على كلمات ومعانٍ جديدة، وذهب إلى القصر متنكراً في زي أعرابي. دخل إلى الأمير وأخبره بأنه لديه قصيدة يريد إلقاءها ولا يعتقد أنه سمعها من قبل. أعرب الأمير عن معرفته بالشرط المعتاد بأن يُعطى وزن ما كتب ذهبًا، فأجابه الأعرابي بالإيجاب، ثم ألقى قصيدته “صوت صفير البلبل”.

قصيدة صوت صفير البلبل للأصمعي

تتضمن قصيدة “صوت صفير البلبل” الأبيات التالية:

صَوتُ صَفِيرِ البُلبُلِ ::: هَيَّجَ قَلبِي التَمِلِ

الماءُ وَالزَهرُ مَعاً ::: مَع زَهرِ لَحظِ المُقَلِ

وَأَنتَ يا سَيِّدَ لِي ::: وَسَيِّدِي وَمَولى لِي

فَكَم فَكَم تَيَمَّنِي ::: غُزَيِّلٌ عَقَيقَلي

قَطَّفتَهُ مِن وَجنَةٍ ::: مِن لَثمِ وَردِ الخَجَلِ

فَقالَ لا لا لا لا لا ::: وَقَد غَدا مُهَرولِ

وَالخُوذُ مالَت طَرَباً ::: مِن فِعلِ هَذا الرَجُلِ

فَوَلوَلَت وَوَلوَلَت ::: وَلي وَلي يا وَيلَ لِي

فَقُلتُ لا تُوَلوِلي ::: وَبَيّني اللُؤلُؤَ لَي

قالَت لَهُ حينَ كَذا ::: اِنْهَض وَجد بِالنقَلِ

وَفِتيةٍ سَقَوْنَنِي ::: قَهوَةً كَالعَسَلَ لِي

شَمَمتُها بِأَنَفي ::: أَزكى مِنَ القَرَنفُلِ

فِي وَسطِ بُستانٍ حُلِي ::: بِالزَهرِ وَالسُرورُ لِي

وَالعُودُ دَندَن دَنا لِي ::: وَالطَبلُ طَبطَب طَبَ لِي

طَب طَبِطَب طَب طَبَطَب ::: طَب طَبَطَب طَبطَبَ لِي

وَالسَقفُ سَق سَق سَق لِي ::: وَالرَقصُ قَد طابَ لِي

شَوى شَوى وَشاهشُ ::: عَلى حِمارِ أَهزَلِ

يَمشِي عَلى ثَلاثَةٍ ::: كَمَشيَةِ العَرَنجلِ

وَالناسِ تَرجم جَمَلِي ::: فِي السُواق بِالقُلقُلَلِ

وَالكُلُّ كَعكَع كَعِكَع ::: خلفي وَمِن حُوَيلَلي

لَكِن مَشَيتُ هارِباً ::: مِنْ خَشْيَةِ العَقَنْقِلِي

إِلَى لِقَاءِ مَلِكٍ ::: مُعَظَّمٍ مُبَجَّلِ

يَأْمُرُلِي بِخَلْعَةٍ ::: حَمراء كَالدَم دَمَلي

أَجُرُّ فيها ماشِياً ::: مُبَغدِداً لِلذِيِّلِ

أَنا الأَدِيبُ الأَلمَعِي ::: مِن حَيِّ أَرضِ المُوصِلِ

نَظِمتُ قِطعاً زُخرِفَت ::: يَعجزُ عَنها الأَدبُ لِي

أَقولُ فَي مَطلَعِها ::: صَوتُ صَفيرِ البُلبُلِ

دهشة الخليفة أبو جعفر المنصور من الأصمعي

بعد استماع الخليفة إلى قصيدة “صوت صفير البلبل”، أراد استخدام مستواه من الذكاء، لكنه وجد أنه لا يمكنه ذلك. أحضر الغلام الذي يحفظ القصائد من مرتين، لكن هذا الأخير لم يتمكن من حفظ القصيدة كذلك. فأمر الخليفة الجارية سرًا، لكنه أدرك من نظرة عينيها أنها لم تستطع تذكرها أيضًا. فقال الخليفة للأصمعي إنه سيعطيه وزن ما كتب عليه من الذهب.

رد الأصمعي بأنه قد نقش القصيدة على عمود من الرخام ورثه عن أبيه، وأن هذا اللوح يحتاج لأربعة رجال ليحملوه. وبالفعل، أمر الخليفة جنوده بإحضار العمود الرخامي ووزنه.

الأعرابي يثير شكوك أمير المؤمنين

كان وزير الخليفة بجواره وقد شك في حقيقة الأعرابي. فقال: “يا أمير المؤمنين، أظن أن هناك مكرًا وأنا أشك في هذا الرجل وأعتقد أنه الأصمعي”. فطلب الخليفة من الأعرابي أن يكشف عن وجهه، وعندما كشفه أصيب الأمير بالدهشة. وعندما رد الأصمعي، قائلاً: “يا أمير المؤمنين، لقد قطعت رزق الشعراء بفعلتك هذه”، أثار استغراب الخليفة.

أمر الأمير الأصمعي بعد المال، لكن الأصمعي رفض. طلب الأمير مرة أخرى، فأجابه الأصمعي بنفس الرد. للمرة الثالثة قال الأمير: “قم بذلك”، فرد الأصمعي بنبرة حازمة: “شرط أن تعطي الشعراء قيمة أقوالهم”. وافق الأمير على شروط الأصمعي.

كان ينوي الأصمعي إعطاء الخليفة درسًا في الأمانة والأخلاق، مؤكدًا أن استخدام المكر والسلطة في استغلال حقوق الناس ليس ذكاءً، بل يعد غشًا واحتيالاً.

Published
Categorized as روايات عربية