يُعتبر الشّعر أحد أشكال التعبير الأدبي التي تعتمد على الجماليات بدلاً من الوضوح المباشر. يمكن أن تكون كتابة الشّعر مستندةً إلى القصائد الشعرية كمجموعة مستقلة، أو مع تركيبة مع فنون أخرى، مثل النّصوص الشّعرية أو الدّراما الشّعرية، أو شعر النّثر.
أتتكَ القوافي ما لها عنكَ مذهب
فأنت بها برٌ وأنت لها أب
وما وجدت مثلي لها اليوم شاعرا
أياديكَ تمليها عليَّ فأكتب
وهل كلساني إن مدحتك مبدع
وهل كبياني ساحراً حين أنسبُ
دع الشعر تقذفه من البحر لجة
إليك ويلقيه من البر سبسب
فإن يمم الغر الميامين مكة
حجيجاً فهذي كعبة الشعرِ يثربُ
طلعت عليها طلعة البدر بعد ما
تجللها من ظلمة الظلم غيهَبُ
بوجهٍ لو أن الشمس تنظر مرةً
إليه لكانت ضحوة الصبح تغرب
فجليتَ عنها ما أدلهم وأبرقت
أسارير كانت قبل ذلك تقطبُ
وهل كنت إلّا ابن الذي فاض برُهُ
عليها كما انهل الغمام وأعذبُ
فكن مثله عدلا وكن مثله تقى
وصن لبنيه ما يد الدهر تنهبُ
سما بك أصل طبق الأفق ذكره
وسارت به الأمثال في الأرض تضرب
وقوم هم الغر الكواكب كلما
تغيب منهم كوكب لاح كوكبُ
وهم معشر الفاروق من كل أغلبٍ
نماه إلى ليث العرينة أغلب
حفظتَ لهم مجدا وكان مضيعا
وأبقيت فخراً كان لولاك يذهب
ونالك فضل الله والملك الذي
أرى كل ملكٍ دونه يتهيبُ
إذا ذكروه كبر الشرق بهجةً
وإن لقبوه أكبرَ الشرق مغربُ
يصدع قلب الحاسدين وإنهُ
إلى كل قلب في الورى لمحببُ
ويرضي رعاياه فيردي عدوهُ
وما زال في الحالين يرجى ويُرهبُ
حبّاكَ بها غراء يفتر ثغرها
وكنت لها بعلاً وغيركَ يخطب
وكم أملتها أنفس فتحجبت
وبنت العلا إلى عن الكفء تحجبُ
سموت إليها وما ونيت وقد أرى
ذوائب قوم دونها تتذبذبُ
فطر فوقها ما العز عنكَ بمبعدٍ
وفضل أمير المؤمنين مقربُ
كأني برب الروضة اليوم باسماً
وصديقه يزهى وجدكَ يعجبُ
ويثرب مما أدركت من رجائها
بمقدمك الميمون باتت ترحب
أحمد بن الحسين الكندي الكوفي، المعروف بأبو الطيب، وُلِد عام (303هـ – 354هـ) (915م – 965م). التمس من شعره الكبرياء والشجاعة والطموح، حيث أظهر اعتزازه بعروبته وفخره بنفسه. يُعد شعره مرآة للحكمة وفلسفة الحياة ومعاركها. ومن أبرز قصائده:
ألآل إبراهيم بعد محمد
إلا حنين دائم وزفير
ما شك خابر أمرهم من بعده
أن العزاء عليهم محظور
تدمي خدودهم الدموع وتنقضى
ساعات ليلهم وهن دهور
أبناء عم كل ذنب لامرئ
إلا السعاية بينهم مغفور
طار الوشاة على صفاء ودادهم
وكذا الذباب على الطعام يطير
ولقد منحت أبا الحسين مودة
جودي بها لعدوه تبذير
ملك تكوّن كيف شاء كأنما
يجري بفصل قضائه المقدور
أبو عبد الله الشافعي، وُلِد عام (150-204هـ / 767-820م)، يُعتبر ثالث أئمة أهل السنة والجماعة. أسس المذهب الشافعي وترك أثراً بارزاً في الفقه وأصوله، كما كان عالماً في تفسير القرآن والحديث. كان يعرف بالعدالة والذكاء، وقد كتب العديد من القصائد. نال إعجاب الكثيرين، حيث قال عنه الإمام أحمد: «كان الشافعي كالشمس في الدنيا، وكالعافية للناس». ومن أشهر قصائده:
دع الأيام تفعـل مـا تشـاء
وطب نفساً إذا حكم القضـاء
ولا تـجزع لحادثـة الليالـي
فما لحوادث الدنيا بقـاء
وكن رجلاً على الأهـوال جلدا
وشيمتك السماحة والوفـاء
وإن كثرت عيوبك في البرايـا
وسرك أن يكون لها غطـاء
تستر بالسخـاء فكـل عيـب
يغطيه كمـا قيـل السخـاء
ولا ترى للأعـادي قـط ذلاً
فإن شماتـة الأعـداء بـلاء
ولا تـرج السماحة من بخيـل
فما في النار للظمـآن مـاء
ورزقك ليس ينقصـه التأنـي
وليس يزيد في الرزق العناء
ولا حـزن يـدوم ولا سـرور
ولا بؤس عليـك ولا رخـاء
إذا ما كنت ذا قلـب قنـوع
فأنت ومالـك الدنيـا سـواء
ومن نزلـت بساحتـه المنايـا
فلا أرض تقيـه ولا سمـاء
وأرض الله واسـعـة ولكـن
إذا نزل القضاء ضاق الفضاء
دع الأيام تغـدر كـل حيـن
فما يغني عن الموت الـدواء
أحمد بن عبد الله القضاعي المعري، شاعر وفيلسوف لغوي من عصر الدولة العباسية، وُلِد عام (363هـ – 449هـ) (973 – 1057م) في معرة النعمان في سوريا. لقب برهين المحبسين، حيث اعتزل الناس بعد عودته من بغداد. ومن قصائده الشهيرة:
يا راعيَ الوُدّ الذي أفعالُهُ
تُغني بظاهرِ أمرِها عن نَعتِها
لو كنتَ حيّاً ما قَطعتُك فاعتذِر
عني إليكَ لخُلّةٍ بأمتّها
فالأرْضُ تَعلَمُ أنّني مُتَصرّفٌ
من فوْقِها وكأنّني من تَحتِها
غَدَرَتْ بيَ الدّنيا وكلُّ مصاحبٍ
صاحبتُهُ غَدْرَ الشّمالِ بأُختِها
شُغفتْ بوامقِها الحَريصِ وأظهرَتْ
مَقتي لِما أظهَرْتُهُ من مَقتِها
لا بُدّ للحَسناءِ من ذامٍ ولا
ذامٌ لنَفسِي غيرَ سَيّئِ بَخْتِها
ولقد شرِكتُكَ في أساكَ مُشاطِراً
وحَللتُ في وادي الهمومِ وخَبتِها
وكرِهتُ من بعدِ الثلاثِ تجَشُّمي
طُرُقَ العزاءِ على تغيّرِ سَمتِها
وعليّ أنْ أقضِي صَلاتي بَعدما
فاتَتْ إذا لم آتِها في وَقْتِها
إنّ الصّروفَ كما علِمتَ صَوَامتٌ
عَنّا وكل عبارَةٍ في صَمتِها
مُتَفَقّهٌ للدّهرِ إنْ تَسْتَفْتِهِ
نَفسُ امرئ عن جُرمه لا يُفْتِها
وتكونُ كالوَرَقِ الذّنوب على الفتى
ومُصابُهُ ريح تهُبّ لِحَتّها
جازاكَ رَبّكَ بالجِنانِ فهَذِهِ
دارٌوإن حَسُنَت تغرّ بسُحتِها
ضلّ الذي قال البلادُ قديمةٌ
بالطّبعِ كانتْ والأنام كنَبتِها
وأمامنا يوْمٌ تقُومُ هُجُودُهُ
من بَعدِ إبلاءِ العِظامِ ورَفْتِها
لا بُدّ للزّمَنِ المُسيءِ بنا إذا
قَوِيَتْ حبالُ أُخوّةٍ من بتّها
فاللّهُ يَرْحَمُ مَن مضَى مُتَفَضِّلاً
ويقيك من جَزل الخطوب وشَختِها
ويُطيلُ عمركَ للصّديق فطولُهُ
سبَبٌ إلى غَيظِ العُداةِ وكَبتِها
أحمد شوقي علي شوقي بك وُلِد في 16 أكتوبر 1868 وتوفي في 14 أكتوبر 1932. يُعتبر من أعظم شعراء العصر الحديث، وتم تسميته بـ “أمير الشعراء”. وُلِد في القاهرة لأب شركسي وأم يونانية، وكتب قصيدة عن باريس أثناء زيارته لها:
رزق الله أهل باريس خيرا
وأرى العقل خير ما رُزِقوه
عندهم للثنار والزهر ممّا
تنجِب الأَرض معرض نسقوه
جنَّةٌ تخلب العقول وروض
تجمع العين منه ما فرقوه
من رآه يقول قد حُرموا الفر
دوس لكن بسحرهم سرقوه
ما ترى الكرم قد تشاكلَ حتى
لو رآه السُّقاة ما حقَّوه
يسكر الناظرين كرما ولمَّا
تَعتصره يد ولا عتَّقوه
صوروه كما تشاءُون حتى
عَجبَ الناسُ كيف لم يُنطِقُوه؟
يجدُ المتَّقي يد الله فيه
ويقول الجحودُ قد خَلَقوه
عمرو بن كلثوم التغلبي (توفي 39 ق.هـ/584م) شاعر جاهلي معروف من أصحاب المعلقات، وُلِد في شمال الجزيرة العربية. ومن قصائده:
أأجمع صحبتي سحر ارتحالا
ولم أشعر ببين منك هالا
ولم أر مثل هالة في معد
تشبه حسنها ألاّ الهلالا
ألا أبلغ بني جشم بن بكر
وتغلب كلها نبأ جلالا
بأن الماجد البطل ابن عمرو
غداة نطاع قد صدق القتالا
كتيبته ململمة رداح
إذا يرمونها تنبي النبالا
جزى الله الأغـر يزيد خيرا
ولقاه الـمسرة والجمالا
بمأخذه ابن كلثوم بن سعد
يزيد الخير نازله نزالا
بـجمع من بني قران صيد
يجيلون الطعان إذا أجالا
يزيد يقدم الشقراء حتى
يروي صدرها الأسل النهالا
محمود درويش شاعر المقاومة الفلسطينية، وُلد عام 1942م في قرية البروة. يُعتبر من أبرز الشعراء الفلسطينيين وارتبط اسمه بشعر الثورة والوطن المسلوب. ساهم بشكل كبير في تطوير الشعر العربي الحديث. يمتزج في شعره الحب بالوطن والحبيبة. ومن أبياته في قصيدة “في القدس”:
في القدس، أَعني داخلَ السُّور القديمِ
أَسيرُ من زَمَنٍ إلى زَمَنٍ بلا ذكرى
تُصوِّبُني. فإن الأنبياءَ هناك يقتسمون
تاريخَ المقدَّس .. يصعدون إلى السماء
ويرجعون أَقلَّ إحباطاً وحزناً، فالمحبَّةُ
والسلام مُقَدَّسَان وقادمان إلى المدينة.
كنت أَمشي فوق مُنْحَدَرٍ وأَهْجِسُ: كيف
يختلف الرُّواةُ على كلام الضوء في حَجَرٍ؟
أَمِنْ حَجَرٍ شحيحِ الضوء تندلعُ الحروبُ؟
أسير في نومي. أَحملق في منامي. لا
أرى أحداً ورائي. لا أرى أحداً أمامي.
كُلُّ هذا الضوءِ لي. أَمشي. أخفُّ. أطيرُ
ثم أَصير غيري في التَّجَلِّي. تنبُتُ
الكلماتُ كالأعشاب من فم أشعيا
النِّبَويِّ إنْ لم تُؤْمنوا لن تَأْمَنُوا
أَمشي كأنِّي واحدٌ غيْري. وجُرْحي وَرْدَةٌ
بيضاءُ إنجيليَّةٌ. ويدايَ مثل حمامتَيْنِ
على الصليب تُحلِّقان وتحملان الأرضَ.
لا أمشي، أَطيرُ، أَصيرُ غَيْري في
التجلِّي. لا مكانَ و لا زمان . فمن أَنا؟
أَنا لا أنا في حضرة المعراج. لكنِّي
أُفكِّرُ: وَحْدَهُ، كان النبيّ محمِّدٌ
يتكلِّمُ العربيَّةَ الفُصْحَى وماذا بعد
ماذا بعد؟ صاحت فجأة جنديّةٌ
هُوَ أَنتَ ثانيةً؟ أَلم أَقتلْكَ؟
قلت: قَتَلْتني ونسيتُ، مثلك، أن أَموت
ولد الهدى فالكائنات ضياء
وفم الزمان تبسم وثناء
الروح والملأ الملائك حوله
للدين والدنيا به بشراء
والعرش يزهو والحظيرة تزدهي
والمنتهى والسدرة العصماء
والوحي يقطر سلسلا من سلسل
واللوح والقلم البديع رواء
يا خير من جاء الوجود تحية
من مرسلين إلى الهدى بك جاؤوا
بك بشر الله السماء فزينت
وتوضأت مسكاً بك الغبراء
يوم يتيه على الزمان صباحه
ومساؤه بمحمد وضاء
والآي تترى والخوارق جمة
جبريل رواح بها غداء
يا من له الأخلاق ما تهوى العلا
منها وما يتعشق الكبراء
زانتك في الخلق العظيم شمائل
يغرى بهن ويولع الكرماء
فإذا سخوت بلغت بالجود المدى
وفعلت ما لا تفعل الأنواء
وإذا عفوت فقادرا ومقدرا
لا يستهين بعفوك الجهلاء
وإذا رحمت فأنت أم أو أب
هذان في الدنيا هما الرحماء
وإذا خطبت فللمنابر هزة
تعرو الندى وللقلوب بكاء
وإذا أخذت العهد أو أعطيته
فجميع عهدك ذمة ووفاء
أحدث التعليقات