ليس لي وطن سواه.
ليس لي وطن غير هذا الذي
ينمو فيه الحب
وتعزف فيه الألحان.
غير هذا الذي تكثر فيه المشاعر
وتزدهر فيه الأماني.
ليس لي وطن غير هذا الذي
يسكن في شراييني.
ليس لي ملاذ غير هذه التي اختارت
أضلعي موعدًا للأزمات.
آه، يا جسداً يحملني،
هل أنا ميناء أم سفن؟
هل أنا واحة للهوى أم مدن؟
آه، يا جسدي،
أنا غارقة في عشق وطني.
أحب وطني منذ زمن بعيد،
قبل أن يستفيق الزمن،
قبل أن يكتب الحب
من رحم الكلمات.
قبل أن يعي الناس النور والظلام،
أنا عاشقة.
فاجعلوني نشيدًا على شفاه الأبرياء.
أنا عاشقة،
فدعوني أمارس حبي
كما يريد وطني، وكما أريد.
فأنا ليس لي وطن سواه.
ليس لي زمن غير هذا الزمن،
غير هذا الزمن.
يا صديقتي،
في هذه الأيام، تتفتح من جيوبنا فراشات صيفية تدعى الوطن،
تخرج من شفاهنا أشجار شامية تدعى الوطن،
تخرج من قمصاننا
مآذن، بلابل، جداول، قرنفل، سفرجل.
أريد أن أراك، يا سيدتي،
لكنني أخشى أن أجرح مشاعر الوطن.
أريد أن أناديك، يا سيدتي،
لكنني أخشى أن يسمعني نوافذ الوطن.
أريد أن أعبر عن حبي على طريقتي،
لكنني أخجل من حماقتي.
في الحب روائع وتعذيب،
وفيه، يا قوم، العجائب.
من لم يذق حبًا فإنني إنسان
عندي من الحب تجارب.
علامة العاشق في وجهه
هذا أسير الحب مكتوب.
وللهوى فيّ صيد على
مستوى العشاق منصوب.
حتى إذا مر محب به
والحظ للإنسان محسوب.
قال له، والعين طمّاحة،
يلهو به والصبر مفقود.
ليس له عيب سوى طيبه،
وأبي من عيبه الطيب.
يسب عرضي وأقي عرَضه،
كذلك المحبوب محدد.
على الأنقاض وردتنا،
ووجهانا على الرمل.
إذا مرت رياح الصيف،
أشرعنا المناديل
على مهل.. على مهل.
وغابنا طي أغنيتين، كالأسرى،
نراوغ قطرة الندى.
تعالي مرة في البال،
يا أختاه!
إن أواخر الليل،
تعرّيني من الألوان والظل،
وتحميني من الذل!
وفي عينيك، يا قمري القديم،
يشدني أصلي
إلى إغفاءة زرقاء،
تحت الشمس والنخيل،
بعيدًا عن ظلام المنفى،
قريبًا من حمى أهلي.
تشتهيت الطفولة فيك.
مذ طارت عصافير الربيع،
تجرد الشجر.
وصوتك كان، يا ما كان،
يأتيني
من الآبار أحيانًا،
وأحيانًا ينقّطه لي المطر.
نقياً هكذا كالنار،
كالأشجار، كالأشعار.
تعالي،
كان في عينيك شيء أشتهيه،
وكنت أنتظر،
وشديني إلى زنديك،
شديني أسيراً،
مني يغتفر.
تشتهيت الطفولة فيك،
مذ طارت
عصافير الربيع.
تجرّد الشجر!
صباح الخير يا عزيزتي.
صباح الخير، أمي الحلوة.
مضت عامان يا أمي
على الولد الذي أبحر
في رحلته الخرافية،
وخبأ في حقائبه
صباح بلاده الأخضر،
وأنجمها، وأنهارها، وكل شقائقها الحمراء.
وخبأ في ملابسه
طرابين من النعناع والزعتر،
وليلكة دمشقية.
أنا وحدي.
دخان سجائري يضجرني،
ومقعدي يضجرني،
وأحزاني عصافير،
تبحث عن بيدر.
عرفت نساء أوروبا،
عرفت عواطف الاسمنت والخشب،
عرفت حضارة الكآبة،
وطفت الهند، طفت السند، طفت العالم الأصفر،
ولم أعثر
على امرأة تمشط شعري الأشقر
وتحمل في حقيبتها
عرائس السكر،
وتكسوني عندما أعرى،
وتنشلني عندما أتعثر.
يا أمي.
أنا الولد الذي أبحر،
ولا تزال في خاطره
تعيش عروسة السكر.
فكيف، كيف يا أمي
غدوت أباً ولم أكبر؟
صباح الخير من مدريد،
ما أخبار الفلّة؟
أوصيك، يا أماه،
أوصيك بتلك الطفلة،
فقد كانت أحب حبيبة لأبي.
تركتني هنا بين العذاب
ومضت، يا طول حزني واكتئابي.
تركتني للشقاء وحدي هنا
واستراحت وحدها بين التراب.
حيث لا جور ولا بغي.
ولا تنبي وتُنبي بالخراب.
حيث لا سيف ولا قنبلة،
حيث لا حرب ولا لمحة حِراب.
حيث لا قيد ولا سوط،
ولا ألم يطغى ومظلوم يحابي،
خلّفتني أذكر الصفو كما
يذكر الشيخ خيالات الشباب.
ونأت عني وشوقي حولها،
الماضي، وبِي، أوه، ما بي.
ودعوتها حاصد العمر إلى
حيث أدعوها فتتعيا عن جوابي.
حيث أدعوها فلا تسمعني
غير صمت القبر والقفر اليباب.
موتها كان مصابي كله
وحياتي بعدها فوق مصابي.
أين مني ظلها الحاني وقد
ذهبت عني إلى غير إيّاب.
سحبت أيامها الجرحى على
لفحة البيد وأشواك الهضاب.
ومضت في طرق العمر، فمن
مسلك صعب إلى دنيا صعاب.
وانتهت حيث انتهى الشوط بها،
فاطمأنت تحت أستار الغياب.
آه، “يا أمّي”، وأشواك الأسى
تلهب الأوجاع في قلبي المذاب.
غير سهل فيك، يا لمياء، حزني
بين سهل من مغانيك وحزن.
كم بها من غصن بانٍ في نقا
مثمر في جنح ليل شمس دجن.
كل ثاني السيف لحظًا وهوى
وشقيق الروح قدًّا وتثني.
سافر عن طلعة الشمس ضحىً،
ناظرٍ عن مقلة الظبي الأغن.
ماس تيهاً وتغنّى طربًا،
فهو ورقًا هتفت من فوق غصن.
يجتني اللحظ المنى من خدّه،
وهو باللحظ على العشاق يجني.
فإذا ما وابل جاد ثرىً،
فسقى ذاك الثرى وابل جفني.
ومن العار ودمعي ديمة،
إن أراني للحياة حاملًا.
كان ظني أن صبري منجد،
ثم لما أنجدو خيّب ظني.
فأقيموا وامنعوا وصلكم،
قد قنعنا من هواكم بالتمني.
وسألنا الطيف عن عطفكم،
فسلوه، علّه يخبر عنّي.
يا بتي عذرة، لا عذر لكم
عن فؤاد رعتموه بعد أمن.
بجفون كالمواضي أرهفت
وقدود مسن كالخطّي لدن.
منعت منعكم مذ لقنت
عنكم البرحين من ضرب وطعن.
فأطلقوا قلبيَ من أسر الهوى،
إنما جاني الهوى عيني وأذني.
لكم رق الهوى منه، كما
لعماد الدين رق الشكر مني.
حل في ربعي أهداب الحيا،
قبل أن ينحل فيه خيط مزن.
لم أكن، لولا نداء الجمّ ذا
ناظرٍ سامٍ وقلب مطمئنّ.
ثاقب في كل فضل زنده،
خاطر، خاطره في كل فن.
أشبه الشمس سناءً وسناً،
لا رمى الدهر معاليه بوهن.
فله باسق مجد مبعد،
وله بشر من العافين مدني.
أتقي الخطب وأرديه به،
فهو سيفي حين يعرو ومجنّي.
ماجد ثابت جاش ونهى،
يقظ نافذ آراء وذهن.
فهو داني الفضل من محتاجه،
وبعيد العزم عن ضعف وأفن.
يا أبا حامد، أعظم بالنوى،
يا لها عن مثلكم صفقة غبن.
قد سمحتم للمحبين بها،
وهي تجزي ذلك الجود بضن.
كم سألنا الجمع لو تجدي إذن،
وعتبناها لو أن العتب يغني.
غبتم عن جلّق، لا عدمتْ
منكم بهجة إحسان وحسن.
فهي في بعدكم نار لظى،
وهي في قربكم جنة عدن.
ما نواحيها فساحًا بعدكم،
لا ولا الطير فصاحًا غير أنكم
لم تبت مذ بنتم أغصانها،
راقصات والقمارى تغني.
مرحبًا بالملك النّاصر من
مزنة تسري إلى الحي المبنّى.
باذل المجدين جاهً وغنى،
قاتل الألفين من لؤم وجبن.
فهو في السلم وفي يوم الوغى،
بنداه والسُّطا يقيني ويفني.
من إذا أوجس خوفًا، ماله،
من نداه لم يعوذه بخزن.
وإذا حبّرت في مدحة،
قالت الريح أو البرق ألكني!
تشهد الأعداء بالسبق له،
فهي تثنى عن مساعيه وتثني.
لم تزل في كل حال كفّه،
تهدم المال وللأعداء تبني.
لجأت دولته منك إلى
ظل مجد طال ركن كل ركن.
شهرت عليك حتى أنها
غنيت عن هو الخلق وتأني.
وتطوّلت إلى أن زدت عن
قول من يرغب في الغاية زدني.
لك عندي منن واضحة،
في جلابيب من الأيام دكن.
كم نفت عن كل قلب لوعة،
خامرته وقذى عن كل جفن.
فابق لي ما ناح في أيكية،
صادح حن إلى إلف ووكن.
بكت وقد أبصرتني ضاحك الشعر،
ما حسن ليل بلا نور من القمر.
ولا تكون سماء الحسن شائقة،
حتى تتفتح فيها أنجم الزهر.
ليل الشباب ألمَّت في أواخره،
وهل يدوم دجى ليل بلا سحر؟
صبحٌ يخاف مدى طول يكون له،
وخيفتي ولها العقبى من القصر.
قالت، كبرت وما بالعهد من قدم،
عنّي إليك فما إن شبت من كبر.
وأنكرت كلفًا برحى بوجنتها،
منى على كلف في وجنة العمر.
وربما حلم وعلم زانه شمط،
ما بهجة الغصن غير النور والثمر!
وعيرتني الأماني وهي كاذبة،
ورب أمنيّة أحلى من الظفر.
وقد يسوء الفتى ما سرّه زمنًا،
وأي صفو من الدنيا بلا كدر؟
إن نغصت عيشه أيام كبرته،
فطال ما لذ في أيامه الأخر!
عليك نعمة حسن شبابها بطر،
وربما نعمة تولت من المطر!
كم تعجلين إلى هجر وشحط نوى،
يكفيك ما سوف نلقاه من الغير.
للحزن في القلب آثار مبيّنة،
لا خير في القلب من حزن بلا أثر.
وفلّت صبري الأيام جاهدة،
إن الفلول لحد الصارم الذكر.
ورب ليلة وصل جاد زائرها،
أدال فيها الكرى من دولة السهر.
وروضة من رياض الحزن باسمة،
في أعين النور منها أدمع المطر.
ودّ الغواني غداة الدجن لو جمعت،
ما بددت في حواشيها من الدرر.
حلّت عليها خيوط المزن راقمة،
تلك البرودا بما للقطر من إبر.
شربت فيها شعاع الشمس مشرقة،
صبح من الكأس تجلوه يدا قمر.
وبات منثورها يصفر من وجل،
وللشقائق خدر زين بالخفر.
وكلما خفت من واشٍ ينم بنا،
محوت ما تكتب الأذيال في العفر.
حتى إذا ما قناع الصبح عطف بها،
تحدثت عن عفافي السن الأزر.
أحدث التعليقات