قبل تناول بعض الأبيات الشعرية من الرثاء في العصر الجاهلي، من الجدير تسليط الضوء على الخصائص المميزة لهذا النوع الأدبي، والتي تشمل ما يلي:
تعتبر قصيدة المهلهل من أهم القصائد التي كتبها عدي بن ربيعة في رثاء أخيه كليب. إليك بعض الأبيات من هذه القصيدة:
دَعَوتُكَ يا كُلَيبُ فَلَم تُجِبني…وَكَيفَ يُجيبُني البَلَدُ القِفارُ
أَجِبني يا كُلَيبُ غَسَلَكَ ذَمُّ…ضَنيناتُ النُفوسِ لَها مَزارُ
أَجِبني يا كُلَيبُ غَسَلَكَ ذَمُّ…لَقَد فُجِعَت بِفارِسِها نِزارُ
سَقاكَ الغَيثُ إِنَّكَ كُنتَ غَيثاً…وَيُسراً حينَ يُلتَمَسُ اليَسارُ
أَبَت عَينايَ بَعدَكَ أَن تَكُفّا…كَأَنَّ غَضا القَتادِ لَها شِفارُ
لَمّا نَعى الناعي كُلَيبًا أَظلَمَت…شَمسُ النَهارِ فَما تُريدُ طُلوعا
قَتَلوا كُلَيبًا ثُمَّ قالوا أَرتِعوا…كَذَبوا لَقَد مَنَعوا الجِيادَ رُتوعا
كَلّا وَأَنصابٍ لَنا عادِيَّةٍ…مَعبودَةٍ قَد قُطِّعَت تَقطيعا
حَتّى أُبيدَ قَبيلَةً وَقَبيلَةً…وَقَبيلَةً وَقَبيلَتَينِ جَميعا
وَتَذوقَ حَتفاً آلُ بَكرٍ كُلُّها…وَنَهُدَّ مِنها سَمكَها المَرفوعا
تعتبر تماضر بنت عمر بن الرشيد السلمي واحدة من أبرز شاعرات العصر الجاهلي، إذ تتسم أشعارها بالعاطفة الجياشة والأسى. إليك مجموعة من الأبيات لقصيدتها في الرثاء:
أَلا يا عَينِ فَاِنهَمِري بِغُدرِ…وَفيضي فَيضَةً مِن غَيرِ نَزرِ
وَلا تَعِدي عَزاءً بَعدَ صَخرٍ…فَقَد غُلِبَ العَزاءُ وَعيلَ صَبري
لِمَرزِئَةٍ كَأَنَّ الجَوفَ مِنها…بُعَيدَ النَومِ يُشعَرُ حَرَّ جَمرِ
عَلى صَخرٍ وَأَيُّ فَتىً كَصَخرٍ…لعانٍ عائِلٍ غَلَقٍ بِوَترِ
وَلِلخَصمِ الأَلَدِّ إِذا تَعَدّى…لِيَأخُذَ حَقَّ مَقهورٍ بِقَسرِ
وَلِلأَضيافِ إِذ طَرَقوا هُدوءً…وَلِلمَكَلِ المُكِلِّ وَكُلِّ سَفرِ
إِذا نَزَلَت بِهِم سَنَةٌ جَمادٌ…أَبِيَّ الدَرِّ لَم تُكسَع بِغُبرِ
هُناكَ يَكونُ غَيثَ حَياً تَلاقى…نَداهُ في جَنابٍ غَيرِ وَعرِ
وَأَحيا مِن مُخَبَّأَةٍ كَعابٍ…وَأَشجَعَ مِن أَبي شِبلٍ هِزَبرِ
هَرَيتِ الشَدقِ رِئبالٍ إِذا ما…عَدا لَم تُنهَ عَدوَتُهُ بِزَجرِ
ضُبارِمَةٍ تَوَسَّدَ ساعِدَيهِ…عَلى طُرقِ الغُزاةِ وَكُلِّ بَحرِ
تَدينُ الخادِراتُ لَهُ إِذا ما…سَمِعنَ زَئيرَهُ في كُلِّ فَجرِ
دَهَتني الحادِثاتُ بِهِ فَأَمسَت…عَلَيَّ هُمومُها تَغدو وَتَسري
لَوَ أَنَّ الدَهرَ مُتَّخِذٌ خَليلاً…لَكانَ خَليلَهُ صَخرُ بنُ عَمرِو
رثت هند والدها الذي قُتل قبل إسلامها، حيث قالت:
أَعَيْنَيَّ جُودَا بِدَمْعٍ سَرِبْ…عَلَى خَيْرِ خِنْدِفَ لَمْ يَنْقَلِبْ
تَدَاعَى لَهُ رَهْطُهُ غُدْوَةً…بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبْ
يُذِيقُونَهُ حَدَّ أَسْيَافِهِمْ…يَعُلُّونَهُ بَعْدَ مَا قَدْ عَطِبْ
يَجُرُّونَهُ وَعَفِيرُ التُّرَابِ…عَلَى وَجْهِهِ عَارِيًا قَدْ سُلِبْ
وَكَانَ لَنَا جَبَلًا رَاسِيًا…جَمِيلَ الْمَرَاةِ كثير العشب
يُعتبر دريد بن الصمة من أعظم الشعراء في العصر الجاهلي، وتُعد قصيدته في الرثاء من أفضل القصائد، ومطلعها كما يلي:
أَعاذِلَتي كُلُّ اِمرِئٍ وَاِبنُ أُمِّهِ…مَتاعٌ كَزادِ الراكِبِ المُتَزَوِّدِ
أَعاذِلَ إِنَّ الرُزءَ في مِثلِ خالِدٍ…وَلا رُزءَ فيما أَهلَكَ المَرءُ عَن يَدِ
وَقُلتُ لِعارِضٍ وَأَصحابِ عارِضٍ…وَرَهطِ بَني السَوداءِ وَالقَومُ شُهَّدي
عَلانِيَةً ظُنّوا بِأَلفَي مُدَجَّجٍ…سَراتُهُمُ في الفارِسيِّ المُسَرَّدِ
وَقُلتُ لَهُم إِنَّ الأَحاليفَ أَصبَحَت…مُطَنِّبَةً بَينَ السِتارِ فَثَهمَدِ
فَما فَتِئوا حَتّى رَأَوها مُغيرَةً…كَرِجلِ الدِبى في كُلِّ رَبعٍ وَفَدفَدِ
يتناول الحارث بن عباد في إحدى قصائده فكرة زوال كل شيء، حيث يقول:
كُلُّ شَيءٍ مَصيرُهُ لِلزَوالِ…غَيرَ رَبّي وَصالِحِ الأَعمالِ
وَتَرى الناسَ يَنظُرونَ جَميعاً…لَيسَ فيهِم لِذاكَ بَعضُ اِحتِيالِ
قُل لِأُمِّ الأَغَرِّ تَبكي بُجَيرًا…حيلَ بَينَ الرِجالِ وَالأَموالِ
وَلَعَمري لَأَبكِيَنَّ بُجَيرًا…ما أَتى الماءُ مِن رُؤوسِ الجِبالِ
لَهفَ نَفسي عَلى بُجَيرٍ إِذا ما…جالَتِ الخَيلُ يَومَ حَربٍ عُضالِ
وَتَساقى الكُماةُ سُمّاً نَفيعًا…وَبَدا البيضُ مِن قِبابِ الحِجالِ
وَسَعَت كُلُّ حُرَّةِ الوَجهِ تَدعو…يا لِبَكرٍ غَرّاءَ كَالتِمثالِ
يا بُجَيرَ الخَيراتِ لا صلح حَتّى…نَملَأَ البيدَ مِن رُؤوسِ الرِجالِ
وَتَقَرَّ العُيونُ بَعدَ بُكاها…حينَ تَسقي الدِما صُدورَ العَوالي
أَصبَحَت وائِلٌ تَعِجُّ مِنَ الحَر…بِ عَجيجَ الجِمالِ بِالأَثقالِ
يرثي أوس بن حجر عمرو بن مسعود، ويستحضر محاسنه من خلال هذه الأبيات:
يا عَينُ جودي عَلى عَمروُ بنِ مَسعودِ…أَهلِ العَفافِ وَأَهلِ الحَزمِ وَالجودِ
أَودى رَبيعُ الصَعاليكِ الأُلى اِنتَجَعوا…وَكُلَّ ما فَوقَها مِن صالِحٍ مودي
المُطعِمُ الحيَّ وَالأَمواتَ إِن نَزَلوا…شَحمَ السَنامِ مِنَ الكومِ المَقاحيدِ
وَالواهِبُ المِئَةَ المِعكاءَ يَشفَعُه…يَومَ النِضالِ بِأُخرى غَيرَ مَجهودِ
تقول سعدي بنت الشمردل في رثاء أخيها:
فلْتَبْكِ أَسْعَدَ فتية بسباسب…أقوَوا وأصبح زادهم يتمزع
جادَ ابنُ مجْدعةَ الكميُّ بنفسِهِ…ولقدْ يرَى أَن الْمَكْر لأشنع
يردُ المياهَ حضيرَةً ونفيضَةً…ورْدَ القَطاةِ إِذا اسْمَأَلَّ التُبَّعُ
أحدث التعليقات