قصائد الشاعر فاروق جويدة

قصائد فاروق جويدة

تعتبر قصائد فاروق جويدة من أجمل وأعمق الأعمال الشعرية، ومن بين أروع قصائده يمكننا ذكر ما يلي:

قصيدة لأن الشوق معصيتي

يتحدث فاروق جويدة في قصيدته “لأن الشوق معصيتي” عن مشاعره العميقة في الأبيات التالية:

لا تذكري الأمس فقد عشتُ أخفيه

فإن يَغفر القلبَ جرحي، من يطعمه؟

قلبي وعيناكِ والأيام بينهما

دربٌ طويلٌ، تعبنا من مآسيه

إن يخفقِ القلب، كيف نعيد له العمر؟

كل الذي مات فينا، كيف نحييه؟

الشوق درب طويل، عشت أسلكه

ثم انتهى الدرب، وارتاحت أغانيه

جئنا إلى الدرب، والأفراح تحملنا

واليوم عدنا بنهر الدمع نرثيه

ما زلتُ أعرف أن الشوق معصيتي

والعشق والله ذنب، لا أخفيه

قلبي الذي لم يزل طفلاً، يعاتبني

كيف انقضى العيد، وانقضت لياليه؟

يا فرحة لم تزل كالطيف تُسكرني

كيف انتهى الحلم بالأحزان والتيه؟

حتى إذا ما انقضى كالعيد سامرنا

عدنا إلى الحزن يدمينا ونُدميه

ما زال ثوب المنى بالضوء يخدعني

قد يُصبح الكهل طفلاً في أمانيه

أشتاق في الليل عطرًا منكِ يبعثني

ولتسألي العطر كيف البعد يشقيه

ولتسألي الليل هل نامت جوانحه

ما عاد يغفو ودمعي في مآقيه

يا فارس العشق، هل في الحب مغفرة؟

حطمتَ صرح الهوى، والآن تبكيه

الحب كالعمر يسري في جوانحنا

حتى إذا ما مضى، لا شيء يبقيه

عاتبت قلبي كثيراً، كيف تذكرها

وعُمرُكَ الغضّ بين اليأس تُلقيه

في كل يوم تُعيد الأمس في ملل

قد يبرأ الجرح، والتذكار يحييه

إن تُرجعي العمر، هذا القلب أعرفه

ما زلتِ والله نبضًا حائرًا فيه

أشتاق ذنبي، ففي عينيكِ مغفرتي

يا ذنب عمري، ويا أنقى لياليه

ماذا يفيد الأسى، أدمنتُ معصيتي

لا الصفح يجدي ولا الغفران أبغيه

إني أرى العمر في عينيكِ مغفرة

قد ضل قلبي، فقولي كيف أهديه

قصيدة ماذا تبقى من أرض الأنبياء؟

ينقل فاروق جويدة في قصيدته “ماذا تبقى من أرض الأنبياء” مشاعر الوحدة والحزن في الأبيات التالية:

ماذا تبقى من بلاد الأنبياء..

لا شيء غير النجمة السوداء

ترتع في السماء..

لا شيء غير مواكب القتلى

وأنات النساء

لا شيء غير سيوف داحس التي

غرست سهام الموت في الغبراء

لا شيء غير دماء آل البيت

ما زالت تحاصر كربلاء

فالكون تابوت..

وعين الشمس مشنقةُ

وتاريخ العروبة

سيف بطش أو دماء..

ماذا تبقى من بلاد الأنبياء

خمسون عاماً

والحناجر تملأ الدنيا ضجيجاً

ثم تبتلع الهواء..

خمسون عاماً

والفوارس تحت أقدام الخيول

تئن في كمد.. وتصرخ في استياء

خمسون عاماً في المزاد

وكل جلاد يحدق في الغنيمة

ثم ينهب ما يشاء

خمسون عاماً

والزمان يدور في سأم بنا

فإذا تعثرت الخطى

عدنا نهرول كالقطيع إلى الوراء..

خمسون عاماً

نشرب الأنخاب من زمن الهزائم

نغرق الدنيا دموعاً بالتعازي والرثاء

حتى السماء الآن تغلق بابها

سئمت دعاء العاجزين وهل تُرى

يجدي مع السفه الدعاء..

ماذا تبقى من بلاد الأنبياء؟

أترى رأيتم كيف بدلت الخيول صهيلها

في مهرجان العجز?

واختنقت بنوبات البكاء..

أترى رأيتم

كيف تحترف الشعوب الموت

كيف تذوب عشقاً في الفناء

أطفالنا في كل صبح

يرسمون على جدار العمر

خيلاً لا تجيء..

وطيف قنديل تتناثر في الفضاء..

والنجمة السوداء

ترتع فوق أشلاء الصليب

تغوص في دم المآذن

تسرق الضحكات من عين الصغار

الأبرياء

ماذا تبقى من بلاد الأنبياء؟

ما بين أوسلو

والولائم.. والموائد والتهاني.. والغناء

ماتت فلسطين الحزينة

فاجمعوا الأبناء حول رفاتها

وابكوا كما تبكي النساء

خلعوا ثياب القدس

ألقوا سرها المكنون في قلب العراء

قاموا عليها كالقطيع..

ترنح الجسد الهزيل

تلوثت بالدم أرض الجنة العذراء..

كانت تحدق في الموائد والسكارى حولها

يتمايلون بنشوة

ويقبلون النجمة السوداء

نشروا على الشاشات نعياً دامياً

وعلى الرفات تعانق الأبناء والأعداء

وتقبلوا فيها العزاء..

وأمامها اختلطت وجوه النساء

صاروا في ملامحهم سواء

ماتت بأيدي العابثين مدينة الشهداء

ماذا تبقى من بلاد الأنبياء؟

في حانة التطبيع

يسكر ألف دجال وبين كؤوسهم

تنهار أوطان.. ويسقط كبرياء

لم يتركوا السمسار يعبث في الخفاء

حملوه بين الناس

في البارات.. في الطرقات.. في الشاشات

في الأوكار.. في دور العبادة

في قبور الأولياء

يتسللون على دروب العار

ينكفئون في صخب المزاد

ويرفعون الراية البيضاء..

ماذا سيبقى من سيوف القهر

والزمن المدنس بالخطايا

غير ألوان البلاء

ماذا سيبقى من شعوب

لم تعد أبداً تفرق

بين بيت الصلاة.. وبين وكر للبغاء

النجمة السوداء

ألقت نارها فوق النخيل

فغاب ضوء الشمس.. جف العشب

واختفت عيون الماء

ماذا تبقى من بلاد الأنبياء؟

ماتت من الصمت الطويل خيولنا الخرساء

وعلى بقايا مجدها المصلوب ترتع نجمة سوداء

فالعجز يحصد بالردى أشجارنا الخضراء

لا شيء يبدو الآن بين ربوعنا

غير الشتات.. وفرقة الأبناء

والدهر يرسم صورة العجز المهين لأمة

خرجت من التاريخ

واندفعت تهرول كالقطيع إلى حمى الأعداء..

في عينها اختلطت

دماء الناس والأيام والأشياء

سكنت كهوف الضعف

واسترخت على الأوهام

ما عادت ترى الموتى من الأحياء

كُهّانها يترنحون على دروب العجز

ينتفضون بين اليأس والإعياء

ماذا تبقى من بلاد الأنبياء؟

من أي تاريخ سنبدأ

بعد أن ضاقت بنا الأيام

وانطفأ الرجاء

يا ليلة الإسراء، عودي بالضياء

يتسلل الضوء العنيد من البقيع

إلى روابي القدس

تنطلق المآذن بالنداء

ويطل وجه محمد

يسري به الرحمن نوراً في السماء..

الله أكبر من زمان العجز..

من وهن القلوب.. وسكرة الضعفاء

الله أكبر من سيوف خانها

غدر الرفاق.. وخِسة الأبناء

جلباب مريم

لم يزل فوق الخليل يضيء في الظلماء

في المهد يسري صوت عيسى

في ربوع القدس نهراً من نقاء

يا ليلة الإسراء، عودي بالضياء

هزي بجذع النخلة العذراء

يتساقط الأمل الوليد

على ربوع القدس

تنتفض المآذن، يبعث الشهداء

تتدفق الأنهار.. تشتعل الحرائق

تستغيث الأرض

تهدر ثورة الشرفاء

يا ليلة الإسراء، عودي بالضياء

هزي بجذع النخلة العذراء

رغم اختناق الضوء في عيني

ورغم الموت.. والأشلاء

ما زلت أحلم أن أرى قبل الرحيل

رماد طاغية تناثر في الفضاء

ما زلت أحلم أن أرى فوق المشانق

وجه جلاد قبيح الوجه تصفعه السماء

ما زلت أحلم أن أرى الأطفال

يقتسمون قرص الشمس

يختبئون كالأزهار في دفء الشتاء

ما زلت أحلم؟

أن أرى وطناً يعانق صرختي

ويثور في شمم.. ويرفض في إباء

ما زلت أحلم

أن أرى في القدس يوماً

صوت قداس يعانق ليلة الإسراء..

ويطل وجه الله بين ربوعنا

وتعود.. أرض الأنبياء

قصيدة لقاء الغرباء

علمتني الأشواق منذ لقائنا

فرأيتُ في عينيكِ أحلام العمر

وشدوتُ لحناً في الوفاءِ، لعله

ما زال يؤنسني بأيام السهر

وغرزتُ حبكِ في الفؤاد، وكلما

مضت السنين أراه دوماً يزدهر

وأمامَ بيتكِ قد وضعتُ حقائبي

يوماً ودعتُ المتاعب والسفر

وغفرتُ للأيام كُل خطيئة

وغفرتُ للدنيا، وسامحتُ البشر

علمتني الأشواق كيف أعيشها

وعرفتُ كيف تهزني أشواقي

كم داعبت عينايَ كل دقيقة

أطياف عمرٍ باسم الإشراق

كم شدني شوق إليكِ لعله

ما زال يحرق بالأسى أعماقي

أو نلتقي بعد الوفاءِ، كأننا

غرباء لم نحفظ عهوداً بيننا

يا من وهبتكِ كل شيء، إنني

ما زلت بالعهد المقدس مؤمناً

فإذا انتهت أيامنا فتذكري

إن الذي يهواكِ في الدنيا أنا

Published
Categorized as قصائد عربية