فهم مفهوم الطاقة الإيجابية في إطار الإسلام

فهم الطاقة الإيجابية في الإسلام

يعد مصطلح الطاقة الإيجابية من المفاهيم الحديثة التي ظهرت في الآونة الأخيرة، إلا أن له جذورًا عميقة في الإسلام. سنستعرض فيما يلي واضحة لمعاني الطاقة الإيجابية من منظور إسلامي:

  • الطاقة

تشير الطاقة إلى النشاط الذي يؤدي إلى تحريك جسم أو ذهن.

  • الإيجابية

تتعلق الإيجابية بالحماس الناتج عن الإيمان بحدوث الأمور الجميلة، مما يساعد الفرد على التكيف مع الواقع وتحسينه. وتعبر الإيجابية عن الدافع الذي يعزز قدرة الإنسان على الإنجاز بغية تحقيق أهداف محددة رغم التحديات.

تتجلى خصائص الإسلام وعقائده وشريعته وثقافته كإسلام إيجابي، حيث إن الإنسان مخلوق لله وهو صاحب الأسماء الحسنى والصفات العليا، وكل أسمائه وصفاته -سبحانه وتعالى- تمثل الإيجابية والفاعلية المطلقة.

تتجلى معاني الإيجابية في حياة المسلم عندما يحقق قول الله -تعالى-: (قُل إِنَّ صَلاتي وَنُسُكي وَمَحيايَ وَمَماتي لِلَّـهِ رَبِّ العالَمينَ* لا شَريكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرتُ وَأَنا أَوَّلُ المُسلِمينَ). ونجد النبي -صلى الله عليه وسلم- يشجع على الطاقة الإيجابية في عدة مواضع، مثل قوله الشريف: (إنْ قامتِ الساعةُ وفي يدِ أحدِكمْ فَسِيلةٌ، فإنِ استطاعَ أنْ لا تقومَ حتى يَغرِسَها فلْيغرِسْهَا).

خصائص المسلم الإيجابي

يمكن استنتاج خصائص المسلم الإيجابي من آيات سورة العصر، حيث قال الله تعالى: (وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ). هذه الآيات توضح أن الإنسان سيكون في خسران حتمي إلا إذا التزم بالصفات الإيجابية الواردة في هذه السورة الكريمة، وهي في الواقع سمات الطابع المسلم الإيجابي، وهنا تفصيل لها:

  • الإيمان بالله عز وجل

يعتبر الإيمان بالله أساسًا للطاقة الإيجابية، إذ يخرج من القلب كل الطاقات السلبية والخصال السيئة، ليحل محلها السكينة والرضا.

  • العمل الصالح

يشمل العمل الصالح كافة الأعمال الحسنة، سواء العلنية أو السرية، المتصلة بحق الله تعالى أو حقوق عباده.

  • التواصي بالحق

تدل هذه الصفة على دفع الفرد ليكون إيجابيًا تجاه الآخرين من خلال دعوته لهم على الخير ومساعدته في ذلك.

  • التواصي بالصبر على طاعة الله

تعبّر هذه الصفة عن تماسك المجتمع وتعاضده، فالجميع يشتركون في فعل كل ما هو جميل وإيجابي، وينهون عن كل ما هو سلبي ويعكر صفو الدين والحياة.

تشجيع الطاقة الإيجابية في الإسلام

لقد حث الإسلام على تعزيز الطاقة الإيجابية من خلال غرس مفاهيم وصفات عدة في نفوس المسلمين مما يرفع من هممهم، ويغير نظرتهم من التشاؤم والسلبية نحو الإيجابية والثقة والتفاؤل. وفيما يلي بعض هذه الصفات التي دعا إليها الإسلام:

حسن الظن بالله

حسن الظن بالله -تعالى- يعني أن يسود في تفكير المسلم أن الله سيرحمه، مع أمله في نيل تلك الرحمة. ويتطلب ذلك التأمل في الآيات والأحاديث التي تتحدث عن رحمة الله وعفوه، وما وعد به المؤمنين من مغفرة ورزق يوم القيامة، مع التزام بالأسباب التي اقتضتها حكمة الله في شرعه وقدره.

الصبر على البلاء والرضا بالقضاء

لم يحدد الله -عز وجل- ثواب الصبر بل جعله بدون حد، كما ورد في قوله: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ). فالمحن مقدرة، وستحدث ما دام الله قد قَدّر ذلك. صحيح أنه يجب السعي لتفادي الكوارث والمصائب، لأن الله أمرنا بالأخذ بالأسباب.

لا شك أن للصبر منزلة عالية، وهو عمل يحبّه الله -عز وجل-، كما ورد في قوله: (وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ). أما الرضا فهو منزلة أعلى، وجزاؤه رضا الله -عز وجل- الذي يفوق الجنة.

الشكر عند الرخاء

قال الله تعالى: (وَإِذ تَأَذَّنَ رَبُّكُم لَئِن شَكَرتُم لَأَزيدَنَّكُم)، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أَصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له). فالمسلم الإيجابي لا ينسى شكر ربه في أوقات الرخاء وكثرة النعم.

الدعوة إلى الأمل والنهي عن اليأس

قال تعالى: (وَلا تَيأَسوا مِن رَوحِ اللَّـهِ إِنَّهُ لا يَيأَسُ مِن رَوحِ اللَّـهِ إِلَّا القَومُ الكافِرونَ). وحضّ الإسلام على عدم اليأس من رحمة الله -تعالى- بسبب كثرة الذنوب، إذ إن رحمة الله وغفرانه اوسع من معاصي الإنسان، كما ورد في قوله: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).

التفاعل الاجتماعي الإيجابي

قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ). فقد اهتم الإسلام بتعزيز روح التعاون الاجتماعي بين أفراده، لتعم الإيجابية، وليكون المسلم عنصرًا فاعلًا في مجتمعه. وعليه أن يتربى على أن جميع المسلمين إخوة، وأن الإصلاح بينهم واجب، وأن مساعدة المحتاجين من يثاب عليه.

كل هذه الفضائل تشكل ملامح شخصية عباد الرحمن، التي تتلازم فيها الإيمان والعمل، مما يسهم في تكوين إنسان صالح ويضمن سلامة القلوب ونجاح الأعمال. وتوضح الآيات بعد ذلك ما يجب على المسلمين تجنبه من صفات سلبية، حتى لا يفقدوا الالتزام بهذه الأخلاق العظيمة.

Published
Categorized as معلومات عامة