العفو يعبر عن ترك العقاب مع إمكانية بقاء أثر ذلك في القلوب. يُعرّف بأنه المحو أو الطمس، حيث قال الخليل: “إذا استحق شخص عقوبة وتركته، فقد عفوت عنه”. قد يمكن أن يتضمن عفو الشخص ترك الأمر دون استحقاق لذلك. وفقًا للراغب، “العفو يعني التجافي عن الذنب”، ويمثل خاصية من صفات الله سبحانه وتعالى.
الصفح يُعتبر أعمق من العفو؛ حيث يمكن للإنسان أن يعفو عن شخص ولكنه لا يصفح عنه. الصفح يعني تجاوز الخطأ وإزالة أثره من النفس، بالإضافة إلى عدم التأنيب، كما لو أن الخطأ لم يكن موجودًا. هذا يتجلى في قوله -تعالى-: (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ)، مما يدل على أن العفو هو ترك المؤاخذة، بينما الصفح يشمل إزالة أثر الخطأ من النفس، وقد يتضمن بعض العتاب.
يتضمن القرآن الكريم العديد من الآيات التي تناولت موضوع العفو والصفح، من بينها:
العفو هو خلق نبوي، ويظهر ذلك جليًا في حياة رسولنا الكريم محمد -صلى الله عليه وسلم-، الذي كان أعلى مثال في الصفح والعفو، حيث شمل عفوه الأعداء والأصدقاء على حد سواء. كان يتحمل الأذى ويتجاوز عن الإساءة، ليعود إلى الرفق بالناس وكأن شيئًا لم يكن.
أيضًا، قدم سيدنا يوسف -عليه السلام- مثالا رائعا في العفو، حيث بعد ما فعله إخوته به، عندما مكنه الله منهم وقابل اعتذارهم بالعفو والصفح والإحسان، رغم ما عاناه من الألم والظلم.
كما يتجلى العفو في سيرة الصالحين، كما في قصة الإمام أحمد بن حنبل عندما تعرض للتعذيب في زمن الخليفة المعتصم، حيث كان يقول: “قد جعلت أبا إسحاق في حل” عندما عفا عنه. وأيضًا كان الإمام مالك مثالًا في العفو، عندما تعرض للضرب ولكنه عفى عن المعتدين عليه.
تتجلى فوائد العفو والصفح في عدة مجالات تؤثر إيجابيًا على حياة المسلم ومجتمعه، ومن بعض هذه الآثار:
العفو والصفح يؤديان إلى مغفرة الذنوب، وهو أمر في غاية الأهمية لكل مسلم يبتغي رضا الله -تعالى-.
من خلال العفو، ينال المسلم حسن العاقبة ومحبة الله والناس، مما يجعله يقتدي بالرسول -صلى الله عليه وسلم-.
لأن الجزاء من جنس العمل، فمن يعفو عن الآخرين سيعفو الله عنه في الدنيا والآخرة.
من يعرض عن العفو والصفح يعاني من قلق دائم، وتراوده الرغبة في الانتقام، مما يبعده عن طاعة الله ويقوده إلى الندم.
أحدث التعليقات