فن السجع في فترة ما قبل الإسلام

السِّجعُ من منظور لغوي واصطلاحي

السِّجعُ في اللغة

حسب معجم المعاني الجامع، يُعرف السِّجع بأنه الاستواء والاستقامة، حيث يختلط بعضه ببعض. السِّجعُ هو تعبير مُقفَّى، ويأتي جمع كلمة سجع على أصغى وأسنجة، كما يُستخدم الفعل سجَّع للدلالة على التحدث بكلام مُقسم بوضوح كالذي يوجد في الشعر، ولكنه من غير وزن محدد. وأيضًا يُشير سجع الحمام إلى التسبيح المتكرر، حيث يُهدي بنفس الصوت. ووفقًا لتاج العروس، يأتي السِّجع في تقسيم الكلام المبني على نفس الروي، بينما يصفه ابن جنّي بأنه تداخل في الآخر مما يؤدي إلى انسجام الفواصل. وبذلك يكون سجع الكلام مسجوعًا، والأُسْجوعة هي ما يُعبّر عنه بتلك الهيئات.

السِّجعُ في الاصطلاح

تتنوع تعاريف السجع، ويشير ابن الأثير إلى أنه يُمثل تواطؤ الفواصل على حرف واحد، أو حروف متقاربة، ويظهر هذا الأسلوب في كل من الشعر والنثر. ومن الآيات القرآنية المعبرة عن ذلك، قوله تعالى: “والطور، وكتاب مسطور، في رقٍّ منشور، والبيت المعمور”، حيث تجتمع الفواصل على حرف واحد.

سجع الكُهان والكاهنات في العصر الجاهلي

ظهر فن السجع بشكل ملموس من خلال الكُهان الذين ادعوا اتصالاً بعالم الغيب، حيث كانوا يتقربون إلى آلهتهم ويستخدمون ألفاظ مسجوعة في اللعنات على أعدائهم. ومن أبرز الكهنة الذين استخدموا هذا الأسلوب في توقعاتهم كان الكاهن سلمة بن أبي حية، وهو من أكثرهم انتشارًا في العصر الجاهلي. ومن بين أقواله: “والأرض والسما، والعقاب والصقعاء، واقعة ببقعاء، لقد نفر المجد بين العُشراء للمجد والسماء”. وكان لبعض الكاهنات، مثل زبراء من بني رئام، أسلوب سجع خاص بها أيضاً، حيث أنذرت قومها بغارة قادمة من أعدائهم بقولها: “واللوح الخافق، والليل الغاسق، والصباح الشارق، والنجم الطارق، والمزن الواد، إن شجر الوادي ليأدوا خَتلا، ويحرق أنيابًا عُصلا، وإن صخر الطود ليُنذر ثُكلا، لا تجدون عنه مَعلا”.

سجع التلبيات الدينية في الجاهلية

كانت التلبية سائدة قبل الإسلام، حيث كان العرب يحجون إلى الكعبة، ولكل قبيلة صنم تدعو له بعبارات مسجوعة تُعرف بالتلبية. حافظ الإسلام على هذا الشكل، مع تعديل صيغته بما يتوافق مع عقيدة التوحيد. فصارت تلبية المسلمين: “لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك”. أما تلبيات أهل الجاهلية، فكانت تُعبر عن روحهم، مثل ما كانت عليه تلبية قبيلة قريش: “لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إلا شريك هو لك، تملكه وما ملك، أبو بنات في فدك”، بينما تلبية قيس كانت: “لبيك اللهم لبيك، أنت الرحمن، أتت قيس عيلان، بحالها والركبان، بشيخها والولدان، مذللة للدّيان”.

سجع الوصايا في النثر الجاهلي

تشير الوصايا إلى مجموعة من التعليمات التي يُوصي بها الشخص قبل وفاته، معبرة بذلك عن النصيحة والتوجيه. وقد تميزت الوصايا بالسجع، مثل وصية زوجة عوف بن ملحم الشيباني لابنتها عند زفافها إلى زوجها بن عمر ملك كندة، حيث قالت: “يا بنية: احملي عني عشر خصال لتكن لك ذخراً وذِكراً، والصحبة بالقناعة، والمعاشرة بحسن السمع والطاعة، والعهد لموقع عينه، والفقد لموضع أنفه، فلا تقع عينه منك على قبيح، ولا يشم منك إلا أطيب ريح، والتعهد لوقت طعامه، والهدوء عند منامه، فإن حرارة الجوع ملهبة، وتنغيص النوم مُغضبة”.

سجع الخطباء في العصر الجاهلي

تعتبر الخطابة أحد فنون النثر، واعتُبرت مليئة بالأمثال وتحتوي على اسجاع قصيرة تتطلب البلاغة. وكان العديد من الخطباء البارزين في العصر الجاهلي مثل عمرو بن كلثوم، والحارث بن عباد البكري، وأكثم بن صديق التميمي، ويُعتبر قس بن ساعدة الإيادي من أشهرهم.

خطبة سجع لقس بن ساعدة الإيادي

كان قس بن ساعدة الإيادي يُعتبر خطيب العرب، وقد شهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم إحدى خطبه في سوق عكاظ، التي ظهرت فيها السجع بشكل واضح مع فواصل قصيرة، وكلمات قوية، حيث قال: “أيها الناس، اسمعوا وعوا، من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آتٍ آت، ليل داج، ونهار ساج، وسماء ذات أبراج، ونجوم تزهر، وبحار تزخر، وجبال مرساة، وأرض مدحاة، وأنهار مجراة، إن في السماء لخيرًا، وإن في الأرض لعبرًا، ما بال الناس يذهبون ولا يرجعون؟! أترضوا فأقاموا؟ أم تركوا فناموا؟ يا معشر إياد، أين الآباء والأجداد، وأين الفراعنة الشداد؟ ألم يكونوا أكثر منكم مالًا وأطول آجالًا؟ طحنهم الدهر بكلكله ومزقهم بتطاوله.”

Published
Categorized as معلومات عامة