الموت يُعد من أعظم المصائب التي يبتلي بها الله عباده، فهو حقيقة تبدأ كبيرة ثم تكتسب معنى أصغر مع مرور الزمن. فعند وفاة أي فرد، تبدأ مراسم العزاء فور دفنه، حيث يتجمع الأهل والأحباب لتقديم التعازي، ويتبادلون الدعوات والتعبيرات الحساسة. سنستعرض بعضاً من العبارات التي تتداول في هذه المناسبات الحزينة.
هذه القصيدة للشاعر علي الجارم، الذي وُلِد في مدينة رشيد بمصر، ودرس في القاهرة ثم في إنجلترا. كانت له مشاعر وطنية قوية دفعته للعمل من أجل بلده. وكتب في قصيدته:
ظَنَنْتَ الدمْعَ يُسْعِدُ بالْعَزَاءِ
فَهَلْ أَجْدَى بُكَاؤُكَ أَوْ بُكَائِي
وَقُلْتَ بأنه الْمَحْزُونِ أُشْفَى
فَأَحْوَجَكَ الشِّفاءُ إِلَى شِفَاءِ
وَمَنْ يَغْسِلْ بِأَدْمُعِهِ جَوَاهُ
أَرَادَ الْبُرْءَ مِنْ دَاءِ بَدَاءِ
بِنَفْسي الراحِلِينَ مَضَوْا سِرَاعاً
لِورْدِ الْمَوْتِ كَالْهِيمِ الظمَاءِ
تَوَلَّى عَهْدُهُمْ وَبَقِيتُ وَحْدِي
أُقَلِّبُ طَرْفَ عَيْنِي فِي السَماء
رَثَيْتُهُمُ فَأَدْمَى الْحُزْنُ قَلْبِي
فَهَلْ نَدْبٌ يَخِفُّ إِلَى رِثائِي
وَكَمْ حيٍّ يَعَيشُ بنَفْسِ مَيْتٍ
طَوَتْ آمالهَا طَيَّ الردَاءِ
مضَتْ بِهِمُ النَّجَائِبُ مُصْعِدَاتٍ
وَلِلْبَاكِين رَنَّاتُ الْحُداءِ
تَجلَّوْا فِي النِّجَادِ ضُحَى صَبَاحٍ
وَغَابُوا فِي الوِهَادِ دُجَى مَساءِ
وَقَفْتُ أَزَوِّدُ النظَرَاتِ مِنْهُمْ
وَأُصْغِي لِلنَوادِبِ مِنْ وَرَائِي
فَلَمْ أَرَ إِذْ نَظَرْتُ سِوَى جَلالٍ
يَهُولُ وَمَا لَمَسْتُ سِوَى هَبَاءِ
وَنَادَيْتُ الصحَابَ فَبَحَّ صَوْتِي
وَعَادَ إِلَيَّ مَكْدُوداً نِدَائِي
تُفَرِّقُنَا الْحَياة ُ فَإِنْ أَرَدْنَا
لِقَاءً لَمْ نَجدْ غَيْرَ الْفَنَاءِ
طَرِيقٌ عُبِّدَتْ مِنْ قَبْلِ نُوحٍ
ولم تُلْقَ التمائِمُ عَنْ ذُكَاءِ
بِهَا الأَضْدَادُ تُجْمَعُ فِي صَعِيدٍ
وَفِيهَا يَلْتَقِي دَانٍ بِنَاءِ
إِذَا لَبِسَ الرِبيعَ شَبَابُ قَوْمٍ
فَأسْرَعُ مَا يُفَاجَأُ بِالشتَاءِ
وَكُلُّ نَضِيرَة ٍ فَإِلَى ذُبُولٍ
وَكُلُّ مُضِيئَة ٍ فَإِلى انْطِفَاءِ
وَهَلْ تَهْوِي ثِمَارُ الروْضِ إلاَّ
إِذَا أَدْرَكْنَ غَايَاتِ النماءِ
أَيَا دَاوُدُ وَالذكْرَى بَقَاءٌ
ظَفِرْتَ بِكُلِّ أَسْبَابِ الْبَقَاءِ
نَعَاكَ لِيَ النُعَاة ُ فَقُلْتُ مَيْنٌ
وَكَمْ يَأْسٍ تَشَبَّثَ بالرجَاءِ
نُمَارِي كُلَّمَا فَدَحَتْ خُطُوبٌ
فَتَرْتَاحُ النفُوسُ إِلَى الْمِرَاءِ
مَلَكْتَ يَرَاعَة ً وَمَلَكْتَ قَلْباً
فَكَانَا سُلَّمَيْنِ إِلَى الْعَلاءِ
شَبَاة ٌ شَقَّها الْبَارِي فَشَقَّتْ
طَرِيقاً لِلْمَجادَة ِ والسراءِ
إِذَا ما أُشِرعَتْ فِي الْخَطِّ مالَتْ
رِماحَ الْخَطِّ مِيلَة َ الازْدِهاءِ
وَإِنْ هِيَ جُرِّدَتْ لمِضَاءِ عَزْمٍ
تَوَارَى السَيْفُ مِنَ هَوْلِ الْمَضَاءِ
وَإِنْ هِيَ لاَمَسَتْ يَدَهُ أَضَاءَتْ
فَهَلْ أبْصَرْتَ فِعْلَ الْكَهْرَباءِ
كَأَنَّ لُعَابَهَا قِطْعُ اللَّيالِي
تَنَفَّسُ عن تَبَاشِيرِ الضيَاء
كَأَنَّ النِّقْسَ فَوْقَ الطرْسَ غَيْثٌ
أَعَارَ الأرْضَ ثَوْباً مِنْ رُوَاءِ
بَيَانُكَ وَاضِحُ الْقَسَمَاتِ صَافٍ
يَكادُ يُشِعُّ مِنْ فَرْطِ الصفَاءِ
يكاد يسيل في القرطاس لطفا
فتحبسه علامة الإنتهاء
بَيَانٌ لَوْ صَدَعْتَ بِهِ اللَّيَاليِ
رَأَيْتَ الصبْحَ مِنْهَا فِي الْعِشَاءِ
لَهُ نُورٌ يَكادُ يَسِيرُ فِيهِ
رَهِينُ المَحْبِسَيِنْ بِلاَ عَنَاءِ
لَهُ النَّبَراتُ نَدْعُوهَا غِنَاءً
فَتَأْبَى أَنْ تُعَدَّ مِنَ الْغِنَاءِ
سُلاَفٌ تَنْهَلُ الأَرْوَاحُ مِنْهُ
وَتَحْمِلُهُ السُقَاة ُ بِلاَ إِنَاءِ
وَرَوْضَاتٌ حَلَتْ فِي كُلِّ عَيْنٍ
وَأَغْرَتْ بِالأَزَاهِرِ كُلَّ رَائِي
طَلَبْنَ إِلَى الْغَمَامِ كِسَاءَ حُسْنٍ
فَكَلَّفَ قَطْرَهُ وَشْى َ الْكِسَاءِ
تُرِيكَ عَجَائِبَ الألْوَانِ شَتَّى
كَمَا عَكَسَتْ أَشِعَّتَهَا الْمَرَائِي
أَوِ الْعَذْرَاءَ حِينَ رَأَتْ غَرِيباً
فَلَثَّمَتِ الْمَلاَحَة ِ بِالْحَيَاءِ
بَنِي لُبْنَانَ خَطْبُكُمْ جَلِيلٌ
دَعُونا نَقْتَسِمْهُ عَلَى السَواءِ
مَضَى شَيْخُ الصحَافَة ِ أَرْيَحِيّاً
مُبِيدٍ الْوَفْرِ جَمَّاعَ الثنَاءِ
خلاَلٌ كُلُّهَا أَنْفَاسُ رَوْضٍ
وَنَفْسٌ كُلُّها قَطَرَاتُ مَاءِ
نُعَزِّي فِيهِ لُبْنَاناً وَنَبْكِي
فمَنْ أَوْلَى وَأَجْدَرُ بِالْعَزَاءِ
مُصَابُكُمُ وَقَدْ أَدْمَى مُصَابِي
وَرُزْءُ الْعَبْقَرِيَّة ِ وَالذكاءِ
أحدث التعليقات