طرق استرجاع الزوجة بعد الطلقة الأولى شرّعها الإسلام رعاية للمصالح الأسرية، فالزواج عهدٌ وميثاقٌ غليظ ويجب التأني قبل اتخاذ قرار هادم مثل الطلاق، لذا منح الإسلام فُرصة للزوج بمُراجعة نفسه طوال شهور العِدة واسترجاع الزوجة مرة أخرى، فكيف يُمكنه تحقيق ذلك؟ هذا ما تجده متوافرًا خلال موقع سوبر بابا.
الطلاق هو انتهاء عقد النكاح ويقع بلفظٍ صريح أو كناية مع وجود النية.. وقد شرع الإسلام الطلاق ثلاث مرات، فيُسمى في أول مرتين طلاقًا رجعيًا، أي: يجوز الرجوع عنه واستعادة الزوجة مرة أخرى، أما الثالثة فيكون بائنًا فلا يجوز الرجوع إلى نفس الزوجة مرة أخرى، إلا في حالة توافر شروط مُعينة.
فما هي طرق استرجاع الزوجة بعد الطلقة الأولى؟ يُمكن أن تكون بالقول “راجعتك” أو بالفعل “الجماع” ويُستحب في تلك الحالة توافر شهادة ذوي عدلٍ من الرجال على الرجعة، قال تعالى: “فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ” (سورة الطلاق: 2).
قبل استرجاع الزوجة لا بُد من مُراعاة أمر ما وهو أن تكون مدخولًا بها ولا تزال في شهور العدة.
أما في حالة انقضاء عدة المرأة “ثلاث قروء أو بوضع الحمل” فيكون استرجاعها بعقدٍ جديد.
اقرأ أيضًا:حقوق الزوج عند طلب الزوجة الطلاق
لا تُعد طرق استرجاع الزوجة بعد الطلقة الأولى مُطلقة، بل إنها مُقيدة ببعض الشروط، فهي أمرٌ لازم حتى تتحقق الرجعة؛ والتي قيدها الإسلام حتى لا يكون الطلاق مُستساغًا؛ لتوافر إمكانية إرجاع الزوجة في أي وقت.
اتفق العُلماء على أن استرجاع الزوجة أمر لا يُشترط فيه رضاها مُستدلين بقوله تعالى: “وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ” (سورة البقرة: 231)، حيث إن في الآية الكريمة خطابًا موجه إلى الرجال والذي يُبيّن أحد حقوقهم.
حيث إنها من الأحكام المُتعلقة بالزوج؛ فهو الذي بيده الطلاق، فيحق له استرجاع زوجته بأي طريقة دون الرجوع إليها ما دامت المرأة في فترة العدة؛ فالرجعة عبارة عن استدامة عقد الزواج دون أن ينتهي فلا يُشترط حينها إذن الزوجة.
اقرأ أيضًا: ميراث الزوجة من زوجها ولها أبناء
إن الأصل في الأحكام الشرعية الإباحة، فأجمع الفُقهاء على إباحة استرجاع الزوجة في حالة عدم وجود مانع، قال تعالى: “وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا” (سورة البقرة: 228)، إلا أن هُناك بعض الحالات التي يتغير فيها الحُكم والتي يُبينها لنا الإسلام.
هُناك بعض الحالات التي تكون فيها الرجعة أمرًا واجبًا؛ وذلك في حالة الطلاق البدعي، أي: الطلاق في فترة الحيض، فيكون حُكم الطلاق حينها حرامًا ويجب الرجوع فيه.
عن ابن عمر -رضي الله عنه- أنَّه طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وهي حَائِضٌ، علَى عَهْدِ رَسولِ اللَّهِ، فَسَأَلَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رَسولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ -عن ذلكَ، فَقَالَ رَسولُ اللَّهِ: (مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ إنْ شَاءَ أمْسَكَ بَعْدُ، وإنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أنْ يَمَسَّ، فَتِلْكَ العِدَّةُ الَّتي أمَرَ اللَّهُ أنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ).
اتفق المالكية على وجوب الرجعة في تلك الحالة؛ واختلف معهم الحنابلة والشافعية، فيرون أن الرجوع فيها يكون سُنة مُراعاة لحالة الزوجة؛ فإذا كان رجوع الزوج إليها سيُلحق بها الضرر فيجب عليه أن يُطلقها.
تندب الرجعة في بعض الحالات؛ وذلك إذا طلق الرجل زوجته في طُهر جامعها فيه، وفي حال الشعور بالندم والرغبة في إكمال الزواج؛ نظرًا للمصلحة العامة، ومصلحة الأولاد إن وجدوا، فقال تعالى: “فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ” (سورة النساء: 128).
لا تُعد طرق استرجاع الزوجة بعد الطلقة الأولى سارية في جميع الحالات، فهُناك بعض الحالات التي يُحرم فيها الرجوع إلى الزوجة، وذلك في حالة رغبة الزوج في استرجاع الزوجة لإلحاق الضرر بها.
قال تعالى: “وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ..” (سورة البقرة: 231)
يُكره الرجوع إلى الزوجة في حال شك الزوج عدم قُدرته على الإحسان إليها، ومدّها بالحقوق كافة، كما يُكره ذلك في حالة إسقاط الزوجة للحدود التي فرضها الله عليها.
اقرأ أيضًا: دعاء لحل المشاكل المستعصية بين الزوجين
بعد بيان طرق استرجاع الزوجة بعد الطلقة الأولى هُناك بعض الأحكام المُتعلقة بها، والتي لا بُد من التعرف عليها قبل اتخاذ قرار الرجعة.
يُسن الإشهاد على الرُجعة، وتكون الشهادة برجلين يتصفان بالعدل، قال تعالى: “وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ” (الطلاق: 2)
أجمع جمهور العُلماء على حُرمانية الزواج قبل انقضاء شهور العدة في الطلاق الرجعي والبائن؛ حيث إن الرجعة للزوج في العدة أولى من غيرها وذلك في الحالة الأولى، وإذا تم الزواج فيكون العقد باطلًا، قال تعالى: “وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ” (البقرة: 235).
يحق للزوج استخدام أيًا من طرق استرجاع الزوجة بعد الطلقة الأولى؛ ما دامت المرأة في شهور عدتها، بحيث يكون قاصدًا إياها، فتكون الرجعة بالفعل كما تكون بالقول، فهل يلزم صيغة مُعينة للرجعة؟ وإذا كانت كذلك فما هي شروطها؟
لا تلزم صيغة مُعينة؛ ويُشترط أن تكون دالة بوضوح على معنى الرجوع والإمساك، فيُمكن أن تكون: “أنا مراجع إياكِ، أمسكتكِ، رددتكِ إلى عصمتي، راجعتكِ.. وغيرها مما يدل على معناها”.
إذا انقضت عدة الزوجة فلا يحق للزوج استرجاعها إلا من خلال عقدٍ ومهر جديدين.
تُحسب له مرة واحدة؛ فإذا كانت الطلقة الأولى له فيحق له مُراجعة الزوجة، وإن قال لها أنها بائن منه أو أنه طلاق لا رجعة فيه.
اتفق الجمهور على أن الرجعة غير حاصلة بالنية فقط؛ بل يجب اقترانها بقولٍ أو فعل، وقال المالكية: إذا كان المراد من النية حديث النفس فتكون الرجعة حاصلة، أما إذا كان المقصود بها قصد الرجعة فقط دون التلفظ بها سرًا أو جهرًا، فلا تحصل الرجعة.
يُعد الرأي الراجح هو قول الجمهور، فإذا انقضت شهور العدة دون التصريح بالقول أو الفعل، فتصير الزوجة في حُكم البائن حينها ولا يجوز للزوج استرجاعها إلا بعد عقدٍ جديد.
إن الطلاق من الأحكام التي شرعها الله لنّا وحرص على تفصيلها لنّا؛ لعدم الوقوع فيما حرمه الله، فجاءت سورة كاملة في القرآن الكريم سُميت بها.. وفصل لنا الرسول أحكامه بدقة.
أحدث التعليقات