طبيعة الإنسان: نزعة القلق والتوتر

تقع هذه الآية الكريمة في الجزء التاسع والعشرين من المصحف الشريف، وسنتعرض لشرحها بعمق في هذا المقال.

وصف الإنسان بالهلع

تتكون سورة المعارج من أربع وأربعين آية، ومن الآيات البارزة في هذه السورة العظيمة ما يلي:

  • إن الإنسان خلق هلوعا (19) إذا مسه الشر جزوعا (20) وإذا مسه الخير منوعا (21) إلا المصلين (22)
    • الذين هم على صلاتهم دائمون (23) والذين في أموالهم حق معلوم (24) للسائل والمحروم (25) والذين يصدقون بيوم الدين (26)

تفسير ابن كثير لقوله تعالى “إن الإنسان خلق هلوعا”

  • يُشير الإمام ابن كثير إلى أن كلمة “هلوعا” تأتي على وزن “فعولا”، وهي صيغة مبالغة تشير إلى صفات الإنسان الطبيعية.
  • لقد خلَق الله الإنسان على فطرة حب الذات، مما يجعله محبًا للمال، قليل العطاء بما أنعم الله عليه من النعم.
  • عن عبد العزيز بن مروان بن الحكم، نقل عن أبي هريرة أنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “شر ما في رجل، شح هالع، وجبن خالع” رواه أبو داوود.
  • فالشخص الهلوع هو الذي يجزع عند حدوث الشر، ويضن عند قدوم الخير.
  • قد استثنى الله سبحانه وتعالى هؤلاء المصلين من الصفات المذمومة التي قد يخلَق عليها الإنسان.
  • وفقهم وهداهم ليكونوا من المصلين المهتدين، الذين يستطيعون مقاومة فطرتهم وشهواتهم.
  • الذين يحافظون على صلاتهم ويؤدون واجباتها بإتقان.
  • وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها:
    • “أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل، وفي لفظ ما داوم عليه صاحبه”، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا قام بعمل ما داوم عليه.
  • الذين يؤدون حقوق أموالهم من الزكاة والصدقات.
  • السائل هو من يتطلب المساعدة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “للسائل حق وإن جاء على فرس” رواه أبو داود.
  • أما المحروم فهو الذي لا يجد ما يعود عليه بالنفع، كالمحروم من العمل أو المال.
  • الذين يصدقون بيوم الدين، أي يعتقدون بوجود يوم الحساب ويعملون له، مُتجنبين غضب الله سبحانه وتعالى.

تفسير الآية “إن الإنسان خلق هلوعا”

  • ذكر ابن كثير في تفسيره أن الله قد ذكر النار وعذابها من خلال قوله “تدعو من أدبر وتولى” لكل من كذب بها.
  • كما استعرض صفات الإنسان الكافر بقوله “سأل سائل بعذاب واقع” كما ورد في سورة المعارج.

يمكنكم الاطلاع أيضاً على:

مفهوم الإنسان الكافر

أما بالنسبة لما يُقصد بالإنسان في هذه الحالة، فإن بعض العلماء يرون أن المقصود هو:

التفسير الأول

  • إذ استثنى الله منهم المصلين، وأوضح باقي صفاتهم.
  • كما يرى آخرون أن المفهوم هنا يشمل الإنسان العاصي الذي لم يتربى على الإيمان.
  • أما كلمة “هلوع” فتعكس ما يليها في المعنى، أي أنه يجزع عند وقوع الشر ويمتنع عن الخير.
  • فمعنى “الهلع” هو الشغف المفرط، وهو يظهر أسوأ أنواع الجزع، وقلة الصبر والشكر وكثرة الضجر.
    • وإذا مسه الخير منوعا، يعني أنه عندما يأتيه الخير يمتنع عن إظهار الكرم.
  • الإنسان الهلوع هو من إذا وقع في ضائقة، يرتعد قلبه خوفًا ويخشى ما هو قادم.
  • هذا الشخص يكون دائم القلق، ويظهر ضعفه إن واجه التحديات، وعند نِعمة كبرى، نادرًا ما يشعر بالشكر.
  • قال الحافظ، إن الإنسان خُلِق على هذا النحو من الهلع، ومن طهَر من هذه الصفة فذلك من فضل الله عليه.
  • وصفة الهلع تُعتبر من أقصى درجات الجزع، حيث يعبر الشخص عن معاناته بإفراط، كالجوع والفقر والمرض.
  • إلا المصلين، رغم الصفات السلبية التي قد يتصف بها الإنسان، إلا أن هؤلاء المصلين يتميزون عن غيرهم.
  • وقد يقول بعض العلماء إن المصلين هم الموحّدون بالله والذين عارضوا فطرتهم؛ وكسبوا هذه الفضائل من خلال الاستمرارية في الصلاة.
  • كلما كان إيمان الفرد قويًا، قلت هذه الصفات عنده (إن الإنسان خلق هلوعا، إذا مسه الشر جزوعا، وإذا مسه الخير منوعا).

التفسير الثاني

  • هذه طبيعة البشر التي تتجسد في الطمع والبخل وحب المال; كما ورد في قوله “وأحضرت الأنفس الشح”، فالبخل صفة أصيلة في الإنسان.
  • إذا صلى الإنسان وأدى زكاته، وآمن بالله واليوم الآخر، فإنه يتمتع بالتقوى والإيمان، وبالتالي لا يجد مكانًا للجزع في نفسه.
  • الصفات مثل الهلع والجزع والطمع تمثل تصرفات مرتبطة بمقدار إيمان الشخص بالله تعالى.
  • أما الذين هم على صلاتهم دائمون، فتشير إلى المحافظة عليها في أوقاتها وشروطها.
  • المداومة على الصلاة تعني الالتزام والسكينة؛ فالإخفاق في التركيز أو الالتزام في خشوع يجعل الشخص غير مستوفي لشروط الصلاة.
  • الحق المعلوم في الأموال قد فسره العلماء بأنه الزكاة، وليس فقط الصدقات أو النفقات الأخرى.
  • لقد ارتبطت الزكاة بالصلاة في القرآن الكريم، كما في قوله “ويقيمون الصلاة ويأتون الزكاة”.
  • والمحروم هو الذي يحرم نفسه من عوائد الزكاة والصدقات، وقد يُفسر أيضًا على أنه الفقير الذي لا يطلب المساعدة رغم احتياجه.
  • الذين يصدقون بيوم الدين يعني أنهم يؤمنون بقدوم يوم الحساب ويعملون له وفقًا لما يتطلبه القلب والقول والعمل.

تفسير القرطبي لقوله تعالى “إن الإنسان خلق هلوعا”

أوضح القرطبي أن المعني هنا بالإنسان الهلوع هو الإنسان الكافر، وليس مجرد المسلم الذي يجزع أو يمتنع عن خيره كما جاءت الأقوال السابقة.

Published
Categorized as معلومات عامة