قال الله تعالى: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُو۟لَـٰئِكَ عَلَيْهِم صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِم وَرَحمَةٌ ۖ وَأُو۟لَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُهْتَدُونَ). يُعتبر الصبر مفتاح الفرج، وعلى الرغم من صعوبته، فإنه يعد طريقًا نحو الفوز والنجاح. وقد ذُكر الصبر في العديد من الآيات القرآنية، التي توضح جزاء الصابرين، كما عالج الشعراء والحكماء موضوع الصبر في كتاباتهم، مما ينم عن وجود تراث أدبي عربي غني يركز على تعزيز قيم الصبر وتشجيعه.
وفي الرواح إلى الطاعات في البكر
إنّي رأيت وفي الأيام تجربة
للصبر عاقبة محمودة الأثر
وقل من جد في أمر يؤلمه
واتصحب الصبر إلا فاز بالظفر.
وخل عنك ضباب الهم يندفع
فكل هم له من بعده فرج
وكل كرب إذا ضاق يتسع
إن البلاء وإن طال الزمان به
الموت يقطعه أو سوف ينقطع.
ويذهل عنها عقل كل لبيب
خروج اضطرار من بلاد يحبها
وفرقة أحباب وفقد حبيب.
والقوت أقنعني واليأس أغناني
وحنكتني من الأيام تجربة
حتى نهيت الذي كان ينهاني.
فافرغ لها صبرًا واسع لها صدرًا
فإن تصاريف الزمان عجيبة
فيوما ترى يسرا ويوما ترى عسرا.
من قلق يهتك ستر الوقار.
على الدهر إن الدهر لم يخلُ من خطب.
فصبراً للرزية واحتسابا
فما نال المنى في العيش إلا
غبى القوم أو فطنٌ تغابى.
لنازل والتعزي أحسن السنن.
فلا بد من أن يستكين ويجزعا.
وليس على ريب الزمان معول
فلو كان يغني أن يُرى المرء جازعاً
لنازلة أو كان يغني التذلل
لكان التعزي عند كل مصيبةٍ
ونازلة بالحر أولى وأجمل
فكيف وكل ليس يعدو حمامه
وما لامرئ مما قضى الله مزحل.
مع الصبر أن يُلفى مقيماً على الصبر.
والصبر ينفع أحيانًا إذا صبروا
الصبر أفضل شيء تستعين به
على الزمان إذا ما مسك الضرر.
فكيف إذا ما لم يكن عنه مذهب
هناك يَحِقُ الصبرُ والصبر واجب
وما كان منه كالضرورة أوجب
فشد امرؤ بالصبر كفاً فإنه
له عصمة أسبابها لا تقضب
هو المهرب المنجي لمن أحدقت به
مكاره دهر ليس منهن مَهرب.
وسلموا فإن فناء العالمين محتم
رضا بقضاء الله إن حياتنا
على السخط منا وأرضا تتصرم
وأن حياة تقتضيها منية
ركون إليها غفلة وتوهم.
يا قلعة الصبر إيمانًا يُقويني
مِن وهج عينيكِ شمسًا أستضيء بها
كي تطلع الفجر من عتم الزنازين
إن قدر الله في الدنيا تفرقنا
في جنة الخلد أرجو أن تلاقيني
مع سيد الرسل يا أمي وعترته
نحظى برؤية رنتيسي وياسين.
صَبُورٌ على رَيْبِ الزمان صعيب
حريصٌ على أن لا يُرى بي كآبة
فيشمت عادٍ أو يساءَ حبيب
اصبرْ قليلاً فبعد العسر تيسير
وكُلُّ أمرٍ له وَقْتٌ وتدبير
وللميمن في حالاتنا نظرٌ
وفوقَ تقديرنا لله تقدير.
أريد أنسى الذي لا شيء ينسيه
وما مجانبتي من عاش في بصري
فأينما التفتتْ عيني تلاقيه!
إذا لم يكنْ فيه معابٌ ولا نُكر
ولو لم يكنْ في الصبر أعدل شاهدٍ
على كرم الأخلاق ما حُمدَ الصبر.
خلق الإنسان في كبد
فالتفت فالظل أنت له
وتواجد في الهوى تجد
كل من في الكون مشتغل
بالإله الواحد الصمد
لكن الجهال عنه به
في اشتغالات إلى الأبد
واشتغال العارفين به
فيه لم يلووا على أحد
والذي يبدو لأعينهم
كله أوصافه فقد.
من بين القصائد الجميلة التي تناولت موضوع الصبر، اخترنا لكم ما يلي:
الإمام الشافعي
دَعِ الأَيَّامَ تَفْعَل مَا تَشَاءُ
وطب نفسًا إذا حكم القضاءُ
وَلا تَجْزَعْ لنازلة الليالي
فما لحوادثِ الدنيا بقاءُ
وكنْ رجلاً على الأهوالِ جلدًا
وشيمتكَ السماحة والوفاءُ
وإن كثرتْ عيوبكَ في البرايا
وسَرّكَ أَنْ يَكُونَ لَها غِطَاءُ
تَسَتَّرْ بِالسَّخَاء فَكُلُّ عَيْب
يغطيه كما قيلَ السَّخاءُ
ولا تر للأعادي قط ذلّاً
فإن شماتة الأعدا بلاء
ولا ترجُ السماحة من بخيلٍ
فَما فِي النَّارِ لِلظْمآنِ مَاءُ
وَرِزْقُكَ لَيْسَ يُنْقِصُهُ التَأَنِّي
وليسَ يزيدُ في الرزقِ العناءُ
وَلا حُزْنٌ يَدُومُ وَلا سُرورٌ
ولا بؤسٌ عليكَ ولا رخاءُ
وَمَنْ نَزَلَتْ بِسَاحَتِهِ الْمَنَايَا
إذا نزلَ القضا ضاقَ الفضاءُ
دَعِ الأَيَّامَ تَغْدِرُ كُلَّ حِينٍ
فما يغني عن الموت الدواءُ.
أبو العلاء المعرّي
الصبرُ يوجَدُ، إن باءٌ له كُسرَتْ،
لكنّهُ، بسكونِ الباءِ، مفقودُ
ويُحمَدُ الصابرُ المُوفي على غَرَضٍ،
لا عاجزٌ، بعرى التقصيرِ، معقود
وقد نفتْ عنكَ، إغماضاً، مُلاحيَةٌ
في كَرمِها، وكأنّ النّجمَ عُنقود
والمَهرُ، يعطيه أنثى، غيرَ منصِفَةٍ،
سَيْبٌ من اللَّه، والمهريّةُ القود
والنّقدُ يُهدى إلى الدينار، مكرُمةً
فليْتَهُ، بعد حُسنِ الضّرب، منقود
لا يحمِلُ اللّيلُ همَّ الساهرينَ به
ولا يُجانبُ حُزناً، وهو مرقود.
الفرزدق
أبَى الصّبْرَ أني لا أرى البدرَ طَالِعاً
ولا الشّمسَ إلاّ ذكّرَاني بغالِبِ
شَبيهَينِ كانَا بابنِ لَيلى، وَمَنْ يكُنْ
شَبيهَ ابنِ لَيلى يَمحُ ضَوْءَ الكوَاكبِ
فَتىً كانَ أهلُ المُلكِ لا يَحجبونَهُ
إذا فَادَ يَوْمًا بَينَ بَابٍ وَحَاجِبِ
كَأنّ تَميماً لمْ تُصِبْهَا مُصِيبَةٌ
ولا حَدَثَانٌ، قَبلَ يَوْمِ ابن غالِبِ
وَلَوْ شَعَرَ الأجْبَالُ دَمْخٌ وَيَذْبُلٌ
لمَالا بِأعْرَافِ الذُّرَى وَالمَناكِبِ.
تابع الفيديو التالي لمعرفة المزيد
أحدث التعليقات