يُعد الشعر أحد أبرز الأساليب الفنية في اللغة العربية منذ عهد الجاهلية، حيث كان بعض الشعراء يبدعون في كتابة القصائد حتى وإن كانوا يفتقرون إلى مهارات القراءة والكتابة. يتميز الشعر العربي بتنوعه، بين الغزل والرثاء والحنين إلى الأطلال، ويعتبر من أفضل الوسائل للتعبير عن المشاعر الخفية. من خلال هذه المقالة، سنستعرض بعض القصائد الشعرية التي تعكس معاناة الحب وآلامه.
ابن نباتة هو أحد أشهر شعراء الغزل المصريين، ويقول في قصيدته:
أقيما فروضَ الحزن فالوقت وقتها ** لشمس ضحىً عندَ الزوال ندبتها
ولا تبخلا عني بإنفاق أدمع ملوّنة ** أكوا بها إن كنزتها لغائبةٍ عني وفي القلب شخصها
كأنيَ من عيني لقلبي نقلتها ** يقولون كم تجري لجاريةٍ بكىً وما علموا النعمى التي قد فقدتها
ملكت جهاتي الست فيك محبةً ** فأنت وما أخطأ الذي قال ستها إلا في سبيل الله شمس محاسنٍ
في هذه الأبيات، يعبر الشاعر عن عمق حزنه لفقدان محبوبته، فهي بمثابة الشمس التي غابت عن حياته وتركت أثراً عميقاً في قلبه. يبكي لفراقها ولا يجد وسيلة أخرى للتعبير عن حسرته سوى البكاء، ويدعو الناس ألا يبخلوا عليه بأقل حقوقه في التعبير عن حزنه.
إن القلب لا يعرف مشاعراً سواها، فهي تسكن كيانه وروحه. فمنذ أن رآها، وضعها في قلبه وخصها وحدها عن الجميع، وعندما يلومه الآخرين لشدة حبه لها، لا يدركون التأثير العميق التي أحدثته في قلبه. لقد اعتبروها جارية بينما هي بالنسبة له ملكة تملكت قلبه وفقد نعمتها.
وإن لم تكن شمس النهار ** فأختها تعرّفتها دهراً يسيراً
فأعقبت دوامَ الأسى يا ليتني ** لا عرَفتها وقال أناسٌ إن في الدمع راحةً
وتلك لعمري راحةٌ قد نكرتها، هل الدمع ** إلا مقلةٌ قد أذبتها عليكِ وإلا مهجة قد غسلتها
نصبت جفوني بعد بعدك للدجى** وأما أحاديث الكرى فرفعتها
وقال زماني هاكَ بعد تنعمٍ كؤوس الأسى والحزن ملآى** فقلت ها بكيتك للحسن الذي قد شهدته
وللشيمِ الغرّ التي قد عهدتها وروضة لحدٍ حلها ** غصنُ قامةٍ لعمري لقد طابت وقد طاب نبتها
يواصل الشاعر استحضار مشاعر الأسى والألم، موضحاً أن محبوبته كانت بمثابة أخت الشمس، حيث تسير بجوارها. وبالتالي، شعر بالسواد الذي غمر حياته بعد فراقها، وبدأ يبكي لفراقها بعد أن سمع من قال إن الدموع تريح القلب.
استمر في بكائه طوال الليل والنهار حتى جفت دموعه من كثرة الحزن، وبدأ يشكو للزمان عن سبب حزنه، فهو لم يجد نظيراً لجمال محبوبته وروحها الطيبة.
يقول محمود درويش في قصيدته التي تلامس القلوب:
لم ينتظر أَحداً** ولم يشعر بنقصٍ في الوجودِ
أمامه نَهْرٌ رماديٌّ كمعطفه** ونُورُ الشمس يملأ قلبَهُ بالصَّحْوِ والأشجارُ عاليةٌ
ولم يشعر بنقصٍ في المكانِ** المقعدُ الخشبيٌّ قهوتُهُ وكأسُ الماءِ
والغرباءُ والأشياءُ في المقهى كما هِيَ **والجرائدُ ذاتُها أَخبارُ أمسِ وعالمٌ يطفو على القتلى كعادتِهِ
ولم يَشْعُرْ بحاجتِهِ إلى أَملٍ ليؤنَسهُ **كأنْ يخضوضرَ المجهول في الصحراءِ
أو يشتاقَ ذئبٌ ما إلى جيتارة ** لم ينتظر شيئاً ولا حتى مفاجأةً
فلن يَقْوَى على التكرار** أعرفُ آخر المشوار مُنْذُ الخطوة الأولى
يقول لنفسه لم أَبتعِدْ عن عالمٍ ** لم أقتربْ من عالمٍ
تعبّر هذه الأبيات عن فقدان الشغف الذي أصاب الشاعر بعد فراق محبوبته، حيث أصبح يشعر باللاجدوى وعدم الانتماء. فقد أصبح كل شيء في نظره مكرراً وغير ذي معنى، مثل مياه النهر الرمادية ولون معطفه.
بعد رحيل محبوبته، تلاشى الفرح من حياته، وأصبح كل مشهد يذكره بما كانت تعنيه له، مما جعل العالم من حوله يبدو قاتماً ومن دون ألوان.
يُعتبر نزار قباني أحد أبرز رموز الشعر الرومانسي، وقد كتب العديد من القصائد التي تعبر عن الحب الحزين، ومن أجمل أبياته:
علمني حبك أن أحزن** وأنا محتاج منذ عصور لامرأة تجعلني أحزن
لامرأة أبكي بين ذراعيها مثل العصفور** لامرأة تجمع أجزائي كشظايا البلور المكسور
علمني حبك** سيدتي أسوأ عادات
علمني أفتح فنجاني في الليلة آلاف المرات ** وأجرب طب العطارين وأطرق باب العرافات
علمني أخرج من بيتي لأمشط أرصفة الطرقات ** وأطارد وجهك في الأمطار
وفي أضواء السيارات** وأطارد طيفك.. حتى .. حتى في أوراق الإعلانات
يبرز نزار قباني بمعاينه الحزن في قلب المحب عندما يتحول الحب إلى ألم، فقد علمه الحب كيف يبكي بعد أن كان الحزن غريبًا عن قلبه. أصبح القلب كزجاج محطم يحتاج لمن يقوم بتجميع أجزائه.
يبحث في الوجوه عن محبوبته كما بحث قيس عن ليلاه، يجوب الشوارع والمطر، ويزور العرافين، ويبحث في الصحف على أمل أن يلتقي بها ليعبر لها عن حنينه.
إن الحب هو شعور نبيل ورقيق، ولكن عند تحوله إلى فراق، يصبح القلب مشتعلًا بنيران الأشواق. لذا، سوف نعرض في مقالنا بعض الأبيات الشعرية لكبار شعراء الرومانسية، سواء من العصر القديم أو الحديث.
أحدث التعليقات