شرح خطبة حجة الوداع تحمل العديد من المعاني والحقائق العقائدية الهامة للإسلام والمسلمين؛ لما تتسم به من الشمولية والاحتواء، فقد جمعت الأصول التي فيها صلاح الناس في معاشهم ومعادهم، واستمدت عظمتها ومكانتها من بيانها الحقوق والمحرمات، ونوافيكم شرحًا مفصلًا لخطبة حجة الوداع من خلال موقع سوبر بابا.
كانت حجة الوداع أول وأخر حجة للرسول -صلى الله عليه وسلم- بعد فتح مكة في الخامس والعشرين من شهر ذي القعدة، وخطب فيها النبي آخر خطبة له، وهي المعروفة بخطبة حجة الوداع، والتي تُوفي النبي بعدها عليه الصلاة والسلام.
نص الخطبة: “الحمدُ لله نحمدُهُ وَنَسْتَعِينُه، ونَسْتَغْفِرُهُ، ونَتُوبُ إليه، ونَعُوذُ باللهِ مِنْ شُرورِ أنْفُسِنا ومِنْ سيّئآتِ أعْمَالِنَا مَن يَهْدِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضَلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ. وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحْده لا شريك له، وأنّ محمداً عبدُه ورسولُه. أوصيكُم عبادَ الله بتقوى الله، وأحثّكم على طاعته! وأستفتح بالذي هو خير…
… أَمَّا بعد، أيّهَا النّاس، اسْمَعُوا منّي أُبّينْ لَكُمْ، فَإنّيَ لاَ أَدْرِي، لعَليّ لاَ أَلْقَاكُمْ بَعْدَ عَامي هَذَا، في مَوْقِفي هذا، أَيُهَا النَّاس، إنّ دِمَاءَكُمْ وَأمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَليكُمْ حَرَامٌ إلى أنْ تَلْقَوْا رَبَّكُمْ، كَحُرمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا في شَهْرِ كُمْ هَذَا في بَلَدِكُم هَذَا وإنكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم وقد بلغت، فَمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَانةٌ فليؤُدِّها إلى مَنْ ائْتمَنَهُ عَلَيها…
… وإن كل ربا موضوع ولكن لكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون، وقضى الله أنه لا ربا، وإن ربا عمي العباس بن عبد المطلب موضوع كله وأن كل دم كان في الجاهلية موضوع وإن أول دمائكم أضع دم عامر ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، فهو أول ما أبدأ به من دماء الجاهلية…
… وإن مآثر الجاهلية موضوعة غير السدانة والسقاية والعمد قَوَدٌ، وشبه العمد ما قتل بالعصا والحجر وفيه مائة بعير فمن ازداد فهو من الجاهلية.”
لطالما حرص النبي على تعليم أمته كل أمر ينفعهم في دينهم ودنياهم، وقد حوت خطبه عليه الصلاة والسلام على الكثير من الأوامر والأحكام، واشتمل صدر الخطبة على ما يلي:
اقرأ أيضًا: عقوبة الخائن والخيانة في الإسلام
نص الخطبة: “أما بعد أيها الناس فإن الشيطان قد يئس من أن يعبد بأرضكم هذه أبدا ولكنه إن يطع فيما سوى ذلك فقد رضي به بما تحقرون من أعمالكم فاحذروه على دينكم أيها الناس ﴿إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ﴾ …
… إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض وإِنَ عِدَّةَ الشهور عند اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً منها أربعة حرم ثلاثة متوالية ورجب مضر، الذي بين جمادى وشعبان…
… أما بعد أيها الناس، إن لِنسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حقاً، ولَكُمْ عَلَيْهِنّ حقّ، لَكُمْ عَلَيْهِنّ ألا يُوطْئنَ فُرُشَكُمْ غيرَكم وَلا يُدْخِلْنَ أحَداً تكرَهُونَهُ بيوتَكُمْ، ولا يأتينَ بِفَاحِشَة فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضربا غير مبرح فإن انتهين فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف واستوصوا بالنساء خيرا…
… فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئا، وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمات الله فاعقلوا أيها الناس قولي، أَيهَا النّاسُ، إنّما المُؤمِنُونَ إخْوةٌ، فَلاَ يَحِلُّ لامرئٍ مَالُ أَخيهِ إلاّ عَنْ طيبِ نفْسٍ منهُ، أَلاَ هَلْ بلّغْتُ، اللّهُم اشْهَدْ، فلا تَرْجِعُنّ بَعْدِي كُفاراً يَضرِبُ بَعْضُكُمْ رقابَ بَعْض فَإنّي قَدْ تَركْتُ فِيكُمْ مَا إنْ أخَذتمْ بِهِ لَمْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ، كِتَابَ اللهِ وَسُنَّة نَبيّه، أَلاَ هَلْ بلّغتُ، اللّهمّ اشْهَدْ...
…أيها النّاسُ إن رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وإنّ أَبَاكُمْ واحِدٌ، كُلكُّمْ لآدمَ وآدمُ من تُراب، إن أَكرمُكُمْ عندَ اللهِ أتْقَاكُمْ وليس لعربيّ فَضْلٌ على عجميّ إلاّ بالتّقْوىَ، أَلاَ هَلْ بلَّغْتُ، اللّهُمّ اشهد. قَالُوا: نَعَمْ قَال: فلْيُبَلِّغِ الشاهدُ الغائبَ والسلامُ عليكم ورحمة الله.”
واصل النبي -صلى الله عليه وسلم- في بيان الأحكام، وأوضح ما يجب على المسلم فعله حيال تلك الأمور:
اقرأ أيضًا: نص خطبة الوداع كاملة
ميّز الله العرب بفصاحة وبلاغة اللسان والبيان، لذلك أنزل الله -سبحانه وتعالى- مُعجزته الكبرى وهي القرآن الكريم على النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو الأمي الذي لا يعرف القراءة والكتابة، بيد أنه تمكن بفصاحته وبلاغته أن يترك هذا الأثر في العالم كله.
اشتملت تلك الخطبة على العديد من الأحكام الفقهية والعقائدية التي قد يحتاجها المسلم، كما اشتملت على الكثير من الوصايا.. ويمكن بيان أهم ما يؤخذ من خطبة حجة الوداع:
حيث أكد الرسول علي ضرورة انتشار روح المحبة والأخوة بين أبناء المجتمع الإسلامي، فلا يسلب أحد مال الأخر.
فقد جاء الإسلام وأبطل جميع الأمور التي ابتدعها العرب في الجاهلية من وأد وبطر وظلم وربا وجور ونحو ذلك، فقد قال -عليه الصلاة والسلام-: “ أَلَا كُلُّ شَيءٍ مِن أَمْرِ الجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ”.
لقد كان الربا منتشرًا في الجاهلية، وقد كان العباس عم النبي يُربي.. وليكون قدوة في هذا الأمر بدأ بنفسه وآل بيته في تنفيذ أوامر الله، وبالتالي أول ربا وضعه كان ربا عمه العباس.
كان هذا تطبيقًا لقول المولى -عز وجل-: “وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ ۚ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88)” سورة هود وتلك هي طريقة الأنبياء.
جاءت حجة الوداع لتؤكد كذب الادعاءات السائدة في المجتمع الغربي والمزيفة، بأن المرأة مهدور حقها في الإسلام وأنها ليست إلا جارية، فأوصى بهن، وحث على إكرامهن وتقديرهن.
كانت أهم وصايا النبي هي ضرورة التمسك بالمعين لنا في دنيانا والمصباح المنير لظلمة الحياة وشهواتها المتجددة ألا وهو كتاب الله المنزه عن الأخطاء، وسنة رسوله الكريم، والتي أشار إليها المولي -عز وجل- في كثير من الآيات مثل:
لقد رسمت لنا خطبة الوداع خارطة الطريق نحو الجنة.. وخططت لنا أساسيات النجاح والفلاح؛ لما حوته من ملخص تعاليم الدين الإسلامي.
أحدث التعليقات