مفهوم استشراف المستقبل
استشراف المستقبل يُعد من الأساليب العلمية التي تهدف إلى فهم ما يمكن أن يحدث في المستقبل، وذلك من خلال استخدام منهجيات استنتاجية مستندة إلى تحليل الأحداث والمستجدات. يتضمن هذا النهج منهجًا علميًا منظمًا يهدف إلى وضع مجموعة من التوقعات المحددة حول مستقبل مجتمع معين في فترة زمنية تتجاوز عشرين عامًا، وذلك وفقًا لمعايير وضوابط معينة.
استشراف المستقبل في القرآن الكريم والسنة النبوية
إن مفهوم استشراف المستقبل في القرآن والسنة يشير إلى الإخبار عن أحداث غيبية والتنبؤ بوقوعها في المستقبل، وهذه المعرفة تأتي عن طريق الوحي الإلهي، وتعتبر أحداثًا ستحدث لا محالة، مما يساعد المسلمين على تجنب الأخطاء والمعاصي والنجاة من الفتن. لقد جعل الله -عز وجل- هذه الأنباء دليلًا على صدق الأنبياء والرسل ونبوته، لتكون حجة على المخالفين، ولتهدئة قلوب المؤمنين. ترتبط التنبؤات المستقبلية التي تضمنها القرآن والسنة بالسنن الإلهية التي أقرها الله -تعالى- إلزامًا لحدوث تلك الأحداث، وبذلك يمثل استشراف المستقبل من المنظور الإسلامي وسيلة للتعرف على هذه السنن وما يتبعها من نتائج، حيث يحث الإسلام على التفكير والتأمل بغية إدراك هذه السنن، ليكون المسلم على علم بموارده.
أمثلة على استشراف المستقبل في القرآن والسنة
أمثلة استشراف المستقبل في القرآن الكريم
تتضمن بعض الأمثلة الواردة في القرآن حول استشراف المستقبل ما يلي:
- انتصار الروم على الفرس بعد عودتهم من الهزيمة. قال -تعالى-: {غُلِبَتِ الرُّومُ* فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْعِ سِنِينَ}، وتدل كلمة “بِضع” على ما بين ثلاث إلى تسع سنوات، وقد تحقق انتصار الروم بعد سبع سنوات من نزول هذه الآية.
- انتصار المسلمين في معركة بدر، حيث قال -تعالى-: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ}، وهذا يعد من معجزات النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، حيث تحقق ما أخبر به كما هو متوقع، وهو بشارة له بمعرفة الله -تعالى- لوعده.
- وقوع موت أبي لهب على الكفر، حيث قال -تعالى-: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ* مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ* سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ}، وهو إخبار من الله -عز وجل- بأن عم النبي -صلى الله عليه وسلم-، أبا لهب، سيموت كافرًا، وقد كان بإمكانه أن يُعلن إسلامه ليبطل هذا الخبر، لكنه لم يفعل.
أمثلة استشراف المستقبل في السنة النبوية
تتضمن بعض الأمثلة المتعلقة باستشراف المستقبل كما ورد في السنة النبوية ما يلي:
- قوله -صلى الله عليه وسلم- لابنته فاطمة -رضي الله عنها-: (وَإِنَّكِ أَوَّلُ أَهْلِي لُحُوقًا بِي وَنِعْمَ السَّلَفُ أَنَا لَكِ)، حيث أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عما سيحدث بعد وفاته، وقد كانت فاطمة -رضي الله عنها- أول من توفي من أهله بعده.
- حديث أبي بكرة -رضي الله عنه- الذي روى: (رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى جَنْبِهِ وََهُوَ يُقَبِّلُ عَلَى النَّاسِ مَرَّةً وَعَلَيْهِ أُخْرَى)، حيث أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن ابنه الحسن سيكون له شأن عظيم في إصلاح الأوضاع بين فئتين عظمتين من المسلمين، وقد تحقق ذلك في فترة الفتنة.
- ما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من أحداث تفوق تصور المسلمين آنذاك، إذ قال لعَدِي بن حاتم الطائي -رضي الله عنه-: (فإنْ طَالَتْ بكَ حَيَاةٌ، لَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الحِيرَةِ حتَّى تَطُوفَ بالكَعْبَةِ…). وقد شهد عدي بنفسه تحقق هذه النبوءة في زمن الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-.
أحدث التعليقات