تُعتبر العقيدة الركيزة الأساسية التي يستند عليها الدين الإسلامي، حيث تُشكّل الإطار الذي ينظم حياة الإنسان من بدايتها وحتى نهايتها. فالتوحيد بالله -تعالى- هو المحور الرئيسي لهذه العقيدة، حيث قال -تعالى-: قُل إِنَّ صَلاتي وَنُسُكي وَمَحيايَ وَمَماتي لِلَّـهِ رَبِّ العالَمينَ * لا شَريكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرتُ وَأَنا أَوَّلُ المُسلِمينَ
. لذا فإن العقيدة، من حيث نصوصها أو تأثيرها على النفوس، تحتل مكانة بارزة في اهتمام الإسلام.
كما اهتم رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بهذا الجانب خلال فترة دعوته في مكّة المكرمة، حتى رسخت هذه العقيدة في نفوس أصحابه، ومن ثم تمّ توجيه الاهتمام نحو جوانب أخرى، فهي أساس الدين، ولا يُقبل إيمان العبد عند الله -تعالى- إلا بصحة عقيدته، بالإضافة إلى كونها رسالة جميع الأنبياء.
يتوقف صلاح المجتمعات على صلاح الأفراد، ويتحقق ذلك من خلال اتباع المنهج السليم والعقيدة الصحيحة التي تعمل على توجيه سلوك الأفراد وتطوير عقولهم. لذا، تُعتبر العقيدة الوسيلة الفعالة لإصلاح المجتمعات، وبالتالي إصلاح الكون بأسره.
كما تسهم العقيدة في تحقيق التمكين في الأرض وإقامة دولة إسلامية متكاملة ومتآزرة.
ركز القرآن الكريم على العقيدة بالإيمان، الذي يعد أساس قبول الأعمال عند الله -تعالى- يوم القيامة. فتطبيق شريعة الله -تعالى- والرضا بما جاء به، يسهم في تنظيم الحياة المجتمعية للدول الإسلامية، ويعزز العلاقات بين الأفراد على مبادئ العدل وإعطاء كل ذي حق حقه، وتشجيع الإحسان بين الناس.
يترتب على ذلك التحلي بمكارم الأخلاق مثل الصدق، والإخلاص، والأمانة، وتحمل المسؤولية، وذلك بالابتعاد عن الحقد والغيرة والكراهية، لضمان سلامة الفكر والنفس من الأفكار الضالة.
تعمل العقيدة على توضيح الحقيقة للإنسان نفسه، فيدرك أنه إنما وجد بإرادة الله -تعالى- الذي خلقه وصور له، وفر له السمع والبصر والفؤاد، وعندما يعرف الإنسان نفسه، يعرف أيضاً ربه.
عقيدة التوحيد تُعد من أعظم الواجبات على الإنسان وأول ما يجب الإيمان به، وفقاً لما قاله رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: أُمِرْتُ أنْ أُقاتِلَ النَّاسَ حتَّى يَشْهَدُوا أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللهِ.
كما تؤثر العقيدة بشكل إيجابي على الفرد فتجعله شجاعاً وجاداً في تقديم نفسه وماله في سبيل الله -تعالى-، إذ يدرك أن هذه الأعمال تأتي بأجر وثواب.
تدعو العقيدة للتأمل في خلق الله -تعالى- ونظام الكون المتكامل، حيث تتكامل المخلوقات لتعيش، وقد سخر الله -تعالى- كل ما في الكون للإنسان ليستفيد من خيراتها. قال -تعالى-: اللَّـهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ
.
توضح العقيدة سبب وجود الإنسان وغرض الله -تعالى- من خلقه، إذ لم يخلقه عبثاً ولن يتركه تائهاً، بل أمره بإعمار الكون والبحث عن أسراره وخيراته لاستخدامها فيما يُرضي خالقه، دون تعدٍ على حقوق الآخرين. وأهم حقوق الله -تعالى- هو توحيده وعدم الإشراك به، واتباع المنهج الذي جاء به الأنبياء.
وتُساهم العقيدة في تحقيق سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة، بالإضافة إلى ضمان الأمن والرخاء؛ لأن الهدف الرئيسي هو كسب رضا الله -تعالى- ودخول الجنة.
توضح العقيدة مصير الإنسان بعد الموت وتعريفه بعالم البرزخ كجزاء لما كسبه في الدنيا.
تؤسس العقيدة السليمة في قلب المؤمن قوة الضمير، وتجعل الإنسان يقظاً وواعياً بمراقبة الله -تعالى- له، مما يدفعه للقيام بالأعمال الخيرة والابتعاد عن السيئات. يسير المؤمن وفق هذا المنهج بقوة وثبات رغم تغير الظروف.
كما توازن العقيدة بين مكونات الإنسان الثلاثة: الجسد، والعقل، والروح، دون إفراط أو تفريط، مما يجعل الإنسان سوياً وعقلانياً، وتُعتبر العقيدة مقبولة بالنسبة لمن يستجيبون لها بحيوية.
تجعل العقيدة الإنسان حراً، مُتحرراً من العبودية لغير الله -تعالى-، فلا يخضع إلا لشرع الله، ويُوكّل أمره لهمّ الخالق المدبر. كما تُذكرنا بقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: واعلَم أنَّ الأمَّةَ لو اجتَمعت علَى أن ينفَعوكَ بشَيءٍ لم يَنفعوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ لَكَ، وإن اجتَمَعوا على أن يضرُّوكَ بشَيءٍ لم يَضرُّوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ عليكَ.
تمتاز العقيدة الإسلامية بعدة خصائص، نذكر منها ما يلي:
فقد جاءت من الله -تعالى- العالم بخبايا مخلوقاته، مما يجعل هذا الدين كاملاً وصالحاً لكل الأزمنة والأماكن، بالإضافة إلى كونه شاملاً لمختلف طبقات المجتمع.
ولا تخضع للعواطف أو الآراء البشرية، بل تستند على القرآن الكريم والسنة النبوية.
إذ تعهد الله -تعالى- بحفظ دينه، حيث قال -تعالى-: إِنّا نَحنُ نَزَّلنَا الذِّكرَ وَإِنّا لَهُ لَحافِظونَ
.
تشمل الأمور التي لا يمكن الإحاطة بها بالحواس، مثل الإيمان بالله -تعالى- والملائكة، والكتب والرسل، واليوم الآخر.
أي أنها مُعتمدة على القرآن والسنة، ولا تُقبل الآراء الشخصية أو الاجتهادات التي قد تؤدي إلى الشك في العقيدة.
فالعقيدة الإسلامية تتسم بالوسطية والاعتدال، حيث لا يُطغى فيها جانب على آخر، وتضمن توازن المسائل الشرعية.
حيث تتوافق العقيدة مع العقل وتُعلي من قيمته، مما يشجع على التفكير والعمل العقلي.
فهي تتماشى مع الفطرة السليمة للإنسان، كما قال -تعالى-: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّـهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا
.
تستند العقيدة الإسلامية إلى ثلاثة مصادر رئيسية: الكتاب، السنة النبوية، والإجماع. يُعتبر القرآن الكريم أساس الشريعة ومُرتكزها، حيث أدخل العقيدة السليمة وغرسها في النفوس، مُستعرضاً أركان الإيمان ووحدانية الله -تعالى- ونبوة سيدنا محمد -صلّى الله عليه وسلّم-، وما يتعلق بالبعث، والجنّة، والنار، بأسلوب يجمع بين الترغيب والتحذير من خلال القصص والأمثال.
أحدث التعليقات