دور العالم مندليف في تطوير الجدول الدوري للعناصر

العالم مندليف

وُلد العالم ديميتري إيفانوفيتش مندليف في عام 1834م في مدينة توبولسك الواقعة في سيبيريا، بروسيا، وتوفي في سانت بطرسبرغ عام 1907م. تلقى مندليف تعليمه في كل من روسيا وألمانيا، ليصبح بعد ذلك بروفيسوراً وباحثاً بارزاً في مجال الكيمياء. كانت من أهم اللحظات في حياته اكتشافه للجدول الدوري للعناصر الكيميائية عام 1869م.

مسيرة مندليف التعليمية

بداياته ونشأته

نشأ مندليف في منطقة نائية في سيبيريا، حيث كان موقع بلده -توبولسك- يبعد عن العواصم الثقافية الغربية مثل باريس نحو 1000 كم، مما أوجد له تحديات عديدة في سعيه وراء العلم. وُلد في عائلة مكونة من 12 فردًا وكان أصغر إخوته، وبعد فترة قصيرة من ولادته، تقاعد والده إيفان بسبب المرض، مما دفع والدته ماريا لتدير مصنع الزجاج الذي كان يملكه شقيقها. استمرت في إعالة الأسرة حتى عام 1848م، عندما احترق المصنع.

في عام 1849م، انتقلت ماريا مع اثنين من أطفالها إلى موسكو، آملة أن يساعدها شقيقها في تسجيل ديميتري في الجامعة، ولما لم يتحقق ذلك، انتقلوا إلى سانت بطرسبرغ حيث قُبل ديميتري في جامعة المدينة، وبدأ اهتمامه العميق بالكيمياء تحت إشراف أستاذه ألكسندر فوسكريسينسكي. ورغم أنه لم يكن من الطلاب المتفوقين في صغره، إلا أنه أصر على تحقيق طموحاته الأكاديمية.

التعليم والشباب

التحق مندليف بالمعهد التربوي الرئيسي في سانت بطرسبرغ وتخرج منه عام 1855م. حصل على وظيفته الأولى كمدرس في سيمفروبول، لكنه انتقل بعدها إلى أوديسا. وبعد فترة قصيرة، عاد إلى سانت بطرسبرغ وحصل على شهادة الماجستير في عام 1856م. ثم بدأ نشاطه البحثي في مجال الكيمياء العضوية، حتى حظي بمنحة من الحكومة لاستكمال دراسته في أوروبا، حيث التحق بجامعة هايدلبرغ في ألمانيا لمدة عامين.

خلال فترة دراسته في ألمانيا، اتبع ديميتري نهجاً غير تقليدي، حيث أنشأ مختبراً خاصاً في شقته بدلاً من العمل تحت إشراف الكيميائيين المعروفين في الجامعة مثل روبرت بنزن وإميل إيرلينماير وأوغست كيكوله. في عام 1860م، شارك في مؤتمر الكيمياء الدولي في مدينة كارلسروه الألمانية، حيث التقى بالعديد من العلماء الأوروبيين وتبادل معهم الأفكار حول العديد من المواضيع الهامة، بما في ذلك الوزن الذري والرموز والصيغ الكيميائية.

عاد مندليف إلى سانت بطرسبرغ في عام 1861م وحصل على درجة الأستاذية من المعهد التقني في عام 1864م. وبعد نجاحه في مناقشة رسالة الدكتوراه عام 1865م، عُين كأستاذ لتكنولوجيا الكيمياء في جامعة سانت بطرسبرغ، ثم أصبح أستاذًا في الكيمياء العامة عام 1867م واستمر في التعليم حتى عام 1890م.

اكتشاف الجدول الدوري

تعود قصة اكتشاف الجدول الدوري إلى الفترة التي قضاها مندليف في المعهد التقني وجامعة سانت بطرسبرغ. شعر بضرورة تأليف كتاب جيد لتدريس الكيمياء اللاعضوية، مما ألهمه لتأليف “مبادئ الكيمياء”. أثناء بحثه، لاحظ مندليف الأنماط المتكررة بين مجموعات مختلفة من العناصر وخصائصها الفيزيائية، واستطاع اكتشاف روابط جديدة بينها، مما أدى إلى بدء اكتشافه للجدول الدوري.

نظم مندليف العناصر المعروفة حسب أوزانها الذرية في مخطط يشبه الشبكة، ووفقاً لهذه الطريقة، تمكن من التنبؤ بخصائص عناصر لم تكن معروفة في ذلك الحين. وفي عام 1869م، قدم مندليف اكتشافه للجدول الدوري بشكل رسمي إلى الجمعية الكيميائية الروسية، على الرغم من عدم حصوله على دعم كبير من المجتمع العلمي الدولي حينها.

ومع ذلك، تغيرت الأوضاع في العقدين التاليين، حيث تم اكتشاف ثلاثة عناصر جديدة تناسب الخصائص التي تنبأ بها مندليف. في عام 1889م، قدم مندليف ملخصًا لبحثه في محاضرة بلندن بعنوان “القانون الدوري للعناصر الكيميائية”، ويُعتبر الجدول الدوري الذي وضعه أساسًا للعديد من الدراسات العلمية حتى يومنا هذا.

إنجازات أخرى للعلم مندليف

لم تقتصر إنجازات مندليف على الأبحاث النظرية في الكيمياء، بل كان له دور كبير في عدة أبحاث عملية، خاصة المتعلقة بالاقتصاد الوطني الروسي، بما في ذلك أبحاث إنتاج البترول وصناعة الفحم والتقنيات الزراعية الحديثة. شغل أيضًا منصب مستشار في العديد من القضايا، بدءاً من أنواع البارود الجديدة إلى التعريفات الجمركية.

استمر مندليف بإنجازاته العلمية حتى بعد تركه المجال الأكاديمي عام 1890م، حيث شارك في موسوعة بروكهاوس الجديدة، عُين مديراً للمجلس المركزي للأوزان والمقاييس في روسيا في عام 1893م، وأشرف على العديد من الطبعات من كتابه “مبادئ الكيمياء”.

Published
Categorized as معلومات عامة