تفسير الاجتهاد المقاصدي خلال فترة حكم الخلفاء الراشدين

تطبيقات الاجتهاد المقاصدي في عصر أبي بكر الصديق

فيما يلي نوفر توضيحًا لأبرز اجتهادين قام بهما أبو بكر الصديق، والذين يعكسان اهتمامه بالاجتهاد المقاصدي: الأولى هي حرب المرتدين، والثانية تجمع القرآن:

حرب المرتدين

بعد وفاة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، برزت ظاهرة الشقاق الطائفي في الدولة الإسلامية الناشئة، والتي تُعرف بالردة. يُشار إلى المرتدين من قبل العلماء بأنهم ثلاث فئات: الأفراد الذين تركوا الإسلام تمامًا، الذين أسقطوا بعض الفرائض مثل الزكاة، وأولئك الذين اتبعوا الدجالين أمثال سجاح ومسيلمة والطليحة الأسدي والأسود العنسي. وقد كانت استجابة أبي بكر حاسمة في اتخاذ قرار حربي ضد جميع هذه الفئات.

تشير الوقائع التاريخية إلى أن قرار أبي بكر للحرب ضد المرتدين كان اجتهادًا مُلهمًا، رغم معارضة غالبية الصحابة له. كان هذا الاجتهاد مقاصديًا ولازمته مصلحة الإسلام والمسلمين؛ حيث أن المحافظة على الدين ومنع العودة إلى الجاهلية هو مقصد شرعي يُستدعى. لولا هذا الاجتهاد الحازم من أبي بكر، لكان من الممكن أن يتغير مجرى التاريخ، وقد تعود الفوضى والجاهلية إلى الظهور.

جمع القرآن

أدت حرب المرتدين إلى استشهاد عدد من الحفاظ على القرآن. واقترح عمر بن الخطاب على أبي بكر فكرة جمع القرآن في مصحف واحد. وبعد مناقشات مستفيضة، اجتهد أبو بكر وقرر البدء في تجميع القرآن في مصحف موحد، على الرغم من عدم جمعه في زمن النبوة. وذلك لحماية القرآن من أي تحريف أو تبديل يطال الكتب السابقة. وقد كلف زيد بن ثابت الأنصاري بهذه المهمة.

تطبيقات الاجتهاد المقاصدي في عهد عمر بن الخطاب

مع تزايد أموال الدولة الإسلامية وزيادة انشغالات الخليفة نتيجة للتوسعات العسكرية، ظهرت ضرورة رصد المبالغ المالية التي تدخل بيت المال وتسجيل أسماء الجنود المشاركين في المعارك. وقد أصدر عمر بن الخطاب أمرًا بإنشاء الدواوين، التي تماثل الوزارات في عصرنا الحديث، لكل منها اختصاص معين كديوان الجند وديوان الخراج. وكان عمر بن الخطاب هو أول الحكام العرب الذي أطلق هذه الفكرة.

تطبيقات الاجتهاد المقاصدي في عهد عثمان بن عفان

كان المسلمون في زمن مضى إذا وجدوا جمالًا في البادية بدون راعٍ يتركونها للحال، لكن عمر بن الخطاب قد نهى عن جمع الضوال منها، مشيرًا إلى أن هذه الإبل قادرة على الاعتماد على نفسها حتى يظهر صاحبها. ومع الزمن، في عهد عثمان، قرر جمع الإبل إذا وجدت، حيث أُمر بإعلان عن الإبل لإعادتها إلى أصحابها، وإن تعذر ذلك، يُمكن بيعها والاحتفاظ بثمنها لحين معرفة صاحبها. يعكس هذا التغير جواز تعديل الفتوى لتحقيق المصلحة العامة.

تطبيقات الاجتهاد المقاصدي في عهد علي بن أبي طالب

في السابق، لم يكن الصناع مثل الغسالة والصباغ يضمنون الأقمشة في حال تلفها أثناء العمل. لم يعد هذا الأمر مقبولًا بعد أن برزت حالات فساد في الذمم. ونتيجة لذلك، اجتهد الإمام علي بن أبي طالب في فرض غرامات على الصناع عن الأضرار التي ألحقوها. وقد وردت في كتب السير والتاريخ: “إن علي بن أبي طالب ضمّن الغسّال والصباغ”.

Published
Categorized as ثقافة إسلامية