تطور الحكمة وأسباب انتشارها في العصر العباسي الثاني

تطور الحكمة في العصر العباسي الثاني

تعتبر الحكمة نتيجة لتأملات الفلاسفة، ويشار إلى الفلسفة على أنها محبة الحكمة. الكلمة، التي تعود أصولها إلى اليونانية، تتكون من مقطعين؛ الأول “فيلو” الذي يعني المحبة، والثاني “صوفيا” الذي يدل على الحكمة. يمكن القول إن الفلسفة اليونانية كانت الأساس الذي انبثقت عنه الحكمة في جميع الثقافات، حيث اعتُبر طاليس أول فيلسوف يوناني وأحد الحكماء السبعة، وهم مجموعة من الفلاسفة الذين صاغوا تأملاتهم حول الحياة والوجود والإنسان. لعبت الفلسفة اليونانية دورًا رئيسيًا في تعريف العرب للحكمة بمفهومها العميق.

تأثير الحضارات الأخرى على الحكمة في العصر العباسي

انطلقت حركة التأليف في الحضارة الإسلامية من خلال ترجمة المؤلفات اليونانية، خاصة مؤلفات الحكماء السبعة، إلى جانب الاطلاع على أعمال أفلاطون وأرسطو. فقد جاء هذا الدعم من الدولة العباسية والخلفاء، حيث لعبت بغداد دورًا بارزًا كمركز ثقافي وفكري، حيث تخرج منها العديد من الحكماء. ومن بين الكتب المهمة التي تمت ترجمتها والتي استلهم منها الأدباء والشعراء الحكم، نذكر:

  • عمل فلسفي وأدبي لأفلاطون.
  • كتاب في المنطق لأرسطو.
  • كتب في الرياضيات والفلك، إلى جانب فلسفة وحكمة إقليدس وأرخميدس وبطليموس وغيرهم.
  • كتاب أدبي وتاريخي من الفارسية.
  • مؤلفات سريانية ونبطية في مجالات الزراعة والسحر والطلاسم والتأملات.
  • كتب باللغة اللاتينية والعبرية تغطي مجموعة متنوعة من العلوم والفنون.

عوامل انتشار الحكمة في العصر العباسي الثاني

إليكم أبرز العوامل التي ساهمت في انتشار الحكمة خلال هذا العصر:

الاستقرار السياسي والاقتصادي

تمتعت الدولة العباسية بفترة من الاستقرار السياسي قبل دخول العنصر التركي، مما ساهم في تعزيز الكتابة في مجال الحكمة. إذ يصعب الوصول إلى التأملات الفلسفية في ظل ظروف الحرب. كما لعب الاستقرار الاقتصادي دورًا كبيرًا في توفير البيئة المناسبة للتأليف والكتابة. فليس من الممكن للإنسان أن يتفرغ للتأمل والقراءة والكتابة من دون استقرار مادي يضمن له مستوى كريم من العيش. ومن الجدير بالذكر أن الدولة العباسية رعت هذا النشاط ودعمته من كافة الجوانب. كما يظهر الارتباط بين مؤلفات الحكماء في العصر العباسي الأول والثاني، وأحيانًا مع الثالث. كان لتوسع المكاتب ونجاح الوراقين أثر إيجابي على هذه الحركة، مما أتاح للناس الفرصة لإنفاق المزيد على الكتب وفتح المجال للقراءة والتأمل.

الانفتاح على الحضارات الأخرى

يمكن ملاحظة مدى الانفتاح الثقافي والحضاري الذي ساعد المفكرين الإسلاميين في الاطلاع على علوم الفترات السابقة دون أي عائق سياسي يمنعهم. وقد تميز العصر العباسي الثاني بحالة من التحرر والانفتاح، مكملة لما بدأ في العصر العباسي الأول، مما جعله عصرًا ذهبيًا، لاسيما في ظل حكم هارون الرشيد والمأمون. بالإضافة إلى دراسة مؤلفات الحكماء في الحضارة اليونانية، أتيحت الفرصة للمفكرين المسلمين للاطلاع على أهم كتب الحكمة في لغات أخرى مثل اللاتينية والعبرية والسريانية.

Published
Categorized as معلومات عامة