تعد “إني تذكرتك والذكرى مؤرقة” واحدة من أبرز قصائد الشاعر محمود غنيم، حيث تتناول مشاعر الحنين إلى الماضي وقد تجلت في ذكريات العظمة التي عاشها العرب في عصورهم الزاهرة مع بزوغ الإسلام كقوة رائدة. تمتد القصيدة على أربعة وخمسين بيتًا موزعة على وزن البحر البسيط، وقد كتبها الشاعر في عام 1935م. عدة أبيات تدل على مشاعره، منها:
هنا، يتساءل الشاعر عن أرقه وسهره، حيث يشارك النجم هذا الشعور، وكأن النوم قد غادر جفنه وجفن النجم، مما يجعلهما يتشاركان سوياً في ذكرياتهما الأليمة.
إنّ انزعاج الشاعر في هذه اللحظة من الليل يعود إلى حزن يغلفه، يتحدث إلى الليل ويتمنى لو أن آهات حزنه تخفف من معاناته، لتصبح كالعزاء.
على ما يبدو، اعتدنا على أن نجد الحزن يختبئ وراء شوق الذاكرين، إلا أن الشاعر هنا يعاني من فراغ يغمره، وهو بعيد عن موضوع الحب.
يذكر الشاعر تلك الذكريات الأليمة التي بقت عالقة في فؤاده، كيف عاش العرب في مجدٍ وصفاء حينما حضر الإسلام وتحكم بينهم.
لقد عانت العروبة كثيرًا، كانت شمسها تضيء كل الكون، والآن تراجعت وتوارت عن الأنظار، حيث لم يعد لها مكان يذكر في سياق الحياة.
إن الإسلام لم يعد ذلك الطائر الجارح، بل أصبح بركة من الطيور التي فقدت جناحيها.
تتحدث هذه الأبيات عن زوال الهيمنة والسلطة التي تمتع بها العرب في الأمس، وكيف انقلبت الأمور حيث بات المملوك هو السيد.
إن الشاعر يعيش ويمثل عصرًا تآلف الجميع فيه، حيث كانت الآلام موزعة بطريقة متساوية بين الشعوب، فيرى أن الألم يعدّ لغة مشتركة.
إحساس الشاعر بأنهم جميعًا يتشاركون هذه الجراحات والمآسي كأنهم عائلة واحدة، تتلاقى معاناة الجميع.
في هذه الكلمات، يرسل الشاعر ألمه إلى أهل يثرب، مشيرا إلى ضعفهم أمام المجد السابق وقوة الوحدة.
ينبه الشاعر إلى أن اللغة والدين قد انحدرا من نفس المصدر الذي تحكم بها أهل يثرب.
يشير الشاعر بهذا إلى أن هناك دينًا مشتركًا بالفضل الذي تستحقه مجتمعاتهم.
استمر الشاعر بالحديث عن الدين وضرورته في محاربة الجهل والانحراف.
يعبر عن إيمان عميق بأن الإسلام هو الدين الحق الموجه حتى لدى محاولات الانتقاص منه.
ويتساءل الشاعر كيف يُمكن لمؤمن أن يطلب أكثر من المعجزة التي شهدها عند انتشار الإسلام وتغيير القلوب.
يشير الشاعر إلى أن الإسلام حقق المساواة بين الناس، وأن أفضلهم هو الأكثر تقوى.
يستحضر الشاعر حياة الخلفاء الراشدين، وكيف أنهم لم يسعوا لزخارف الحياة الفانية.
تظهر شهادة قوة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- التي أثرت في ملوك الأرض كما يتحدث التاريخ.
نداء للشرف والمجد الذي لازال موجودًا في قلب كل عربي.
احتوت القصيدة على العديد من المفردات التي تتطلب توضيحًا لفهم المعاني. وفيما يلي أبرز الكلمات مع دلالاتها:
المفردة | معنى المفردة |
وصب | يشير إلى الألم والحزن. |
تكلؤه | تحرسه وتحميه. |
مغناكم | الأرض التي تعيشون فيها. |
القُرحَ | الجروح المؤلمة. |
مؤرق | يعني الذي يعيق النوم. |
الأجداث | تشير إلى القبور. |
الغمض | يعبر عن إطباق الأجفان. |
تليدًا | يعني القديم. |
ويح | تعبر عن الشفقة والتوجع. |
تتوارى | يعني تختفي. |
شجن | يعني الحزن. |
فلق | يدل على الشق والظهور. |
الحنيفة | تشير إلى الميل نحو الإسلام. |
أدم | يعني الإدام أو المرق. |
تجسد القصيدة صورًا فنية متعددة، أبرزها:
يستخدم الشاعر استعارة مكنية حيث شبه النجم بمخلوق يعتني، مما يضيف بعدًا إنسانيًا إلى الصورة.
تكنى المجد كشيء مفقود، مما يعزز مشاعر الفقد والفراق.
الصورة هنا تشمل استعارة مكنية حيث يشبه الشاعر الدين ككائن ينبعث من الموت.
يقدم الشاعر حالة الإسلام كطائر فقد جناحيه، مما يسلط الضوء على ضعفه الحالي.
تتضمن القصيدة مجموعة من الأفكار الرئيسية، مثل:
قال الشاعر محمود غنيم:
ما لي وللنجم يرعاني وأرعاهُ
أمسى كلانا يعافُ الغمضَ جفناهُ
لي فيكَ يا ليلُ آهاتٌ أردِّدُها
أوَّاهُ لو أجْدت المحزونَ أواه
لا تحسبَنِّي محبًا يشتكي وَصبًا
أهْونْ بما في سبيل الحب ألقاه
إني تذكرتُ والذكرى مُؤَرِّقةٌ
مجدًا تليدًا بأيدينا أضعناه
ويحَ العروبة كان الكونُ مسرحها
فأصبَحت تتوارى في زواياه
أنَّى اتجهت إلى الإسلام في بلد
تجدْهُ كالطير مقصوصًا جناحاه
كم صرفَتْنَا يدٌ كنّا نصرِّفها
وبات يملكنا شعبٌ ملكناه
كم بالعراق وكم بالهند ذو شجنٍ
شكا فردَّدَت الأهرامُ شكواه
بني العمومةِ إن القُرحَ مسّكموا
ومسَّنا نحن في الآلام أشباه
يا أهل يثرب أدمت مُقْلَتَيَّ يدٌ
بدريةٌ تسأل المصريَّ جدواه
الدينُ والضادُ من مغناكم انبعثا
فطبَّقا الشرقَ أقصاه وأدناه
لسنا نمدّ لكم أيماننا صلةً
لكنما هو دَيْن ما قضيناه
هل كان دِيْن ابنِ عدنانٍ سوى فلق
شقّ الوجود وليلُ الجهل يغشاه
هي الحنيفةُ عينُ الله تكلؤها
فكلما حاولوا تشويهها شاهوا
هل تطلبون من المختار معجزةً
يكفيه شعبٌ من الأجداث أحياه
سنُّوا المساواة لا عُرْبٌ ولا عجَمٌ
ما لامرئ شرفٌ إلا بتقواه
يا من رأى عُمرًا تكسوه بردتُه
والزيتُ أدْمٌ له والكوخُ مأواه
يهتز كسرى على كرسيِّه فرَقًا
من بأسه وملوكُ الرومِ تخشاه
سلِ المعانيَ عنَّا إنّنا عربٌ
شعارُنا المجدُ يهوانا ونهواهُ
أحدث التعليقات