النهج العقلاني مقابل النهج التجريبي في الفلسفة

أصول الاتجاه التجريبي والعقلاني في الفلسفة

تتجذر الأصول التاريخية للاتجاه التجريبي والعقلاني في الفلسفة في فجر عصر النهضة، حيث ظهرت العديد من المعاهد والمجتمعات الدينية والعلمية والفلسفية على الرغم من الصراعات التي دارت بين المؤسسات الدينية والعلماء والفلاسفة. وفي هذا الإطار، اختار هؤلاء العلماء والفلاسفة استقلاليتهم في إنتاج العلوم الإنسانية والطبيعية، وعدم الخضوع لأي سلطة خارجية.

تطور الفكر الفلسفي ليتمثل في المذهب العقلاني والمذهب التجريبي، حيث يتفق كلاهما على رفض الإملاءات من أي سلطة دينية أو سياسية. وقد انتشر المذهب التجريبي في إنجلترا بالتزامن مع اختراع الآلة البخارية والثورة الصناعية، حيث كانت طبيعة العلوم في إنجلترا تستند إلى منهجيات البحث العلمي التجريبي المعتمدة على الحواس.

في المقابل، بدأ المذهب العقلاني في فرنسا، وكانت البداية مع الفيلسوف رينيه ديكارت، الذي يُعتبر مؤسس الفلسفة الحديثة. تتجلى فلسفته الروحية في توجيهاته التعليمية، ولكن أثرها كان ملحوظًا بين المفكرين الذين انقسموا إلى معارضين ومؤيدين.

الاتجاه العقلاني في الفلسفة الحديثة

برز الاتجاه العقلاني كمدرسة فكرية تعتبر أن العقل هو المصدر الأساسي للمعرفة. يمكن فحص هذا الاتجاه من خلال أعمال الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت، الذي أسس فلسفته العقلانية على أسس منهجية تستند إلى الشك، والذي أطلق عليه مصطلح “الشك الديكارتي”. يتميّز هذا الشك بكونه مؤقتًا ويهدف إلى الوصول إلى المعرفة، خلافًا للشك المطلق.

تشير الملاحظات إلى أن ديكارت شكك في العلوم التي تعتمد على مفاهيم غامضة، مثل الفلك والطب، بينما اعتبر علوم الهندسة والرياضيات كمجالات لا تحتمل الشك نظرًا لبساطتها وبديهيتها. كما اعتبر الحواس خادعة، حيث يمكن أن تُظهر الأمور بعكس حقيقتها، وطرح تساؤلات حول وجود الذات المفكرة ليصل إلى مفهوم الكوجيتو الديكارتي، الذي يعني: “أنا أفكر، إذن أنا موجود”.

أكد ديكارت أن الشك يشمل كل شيء، باستثناء حقيقة أن الذات لا يمكن أن تشك في خطابها الداخلي أو في ممارسة الشك. وبالتالي، بدأ في إثبات وجود “الأنا”. كما طرح تساؤلات حول وجود الله والعالم، وقدّم أدلة قوية على وجود الله تُعتبر من أبرز الأدلة في التاريخ حتى الآن، مستندًا في ذلك إلى مفهوم الكمال، ومن أين جاءت هذه الفكرة.

بذلك، كان تساؤل ديكارت يتجه نحو تأكيد أن الله هو مصدر الكمال والحقيقة المطلقة، حيث ذهب إلى أنه من المستحيل أن توجد أفكار دون وجود من يُعبّر عنها، وأكد أن الله هو الجوهر الذي لا يمكن تصور ما هو أكمل منه.

الاتجاه التجريبي في الفلسفة الحديثة

تُنسب التطورات الكبيرة في العلوم الطبيعية إلى المفاهيم التي وضعها الفلاسفة والعلماء لتعزيز المنهج العلمي التجريبي في البحث. يُمكن تحليل هذا الاتجاه التجريبي من خلال وجهة نظر الفيلسوف جون لوك، الذي اعتبر أن المعرفة الحقيقية تنشأ من خلال التجربة التي تبدأ بالملاحظة الدقيقة. تُحصّل هذه الملاحظات من خلال الحواس.

يرى لوك أن الإنسان الساعي نحو المعرفة لا يقتصر على المعلومات المتاحة له، بل يسعى لاستكشاف الأسباب العميقة خلف الظواهر، ويبحث عن ثوابت ودلالات تتعلق بعمليات الطبيعة،

Published
Categorized as مقالات فلسفية عميقة