يعتبر الشعر مرآة تعكس طبيعة العصر الذي كتب فيه، ولم يكن الشعر الجاهلي خاليًا من القيم الاجتماعية الرفيعة التي تجسد المبادئ السائدة في تلك الفترة. والواقع أن العرب في الجاهلية لم يكونوا قساة أو بلا مشاعر، بل كانت لديهم جوانب من الرقة واللين، مما دفعهم إلى مساعدة المحتاجين، ونصرة المستضعفين، وإكرام الضيف. يمكن العثور على هذه المعاني الكريمة في عدد كبير من القصائد الجاهلية، وخاصة في المعلقات. ومن الأمثلة على القيم الاجتماعية التي كانت سائدة في هذا الشعر ما يلي:
لم يكن الكرم العربي مقتصرًا على الجوانب المادية فقط، بل تميز أيضًا بالكرم المعنوي الذي ينبع من محاربة شح النفس. يبرز الكرم الجاهلي بأوجهه الرائعة من خلال تفضيل المحتاجين على النفس، وإكرام الضيوف دون أي شعور بالنقص. ومن الشواهد الشعرية على ذلك، ما يلي:
قال امرؤ القيس:
وَيَومَ عَقَرتُ لِلعَذارى مَطِيَّتي
:::فَيا عَجَبًا مِن كورِها المُتَحَمَّلِ
فَظَلَّ العَذارى يَرتَمينَ بِلَحمِه
:::وَشَحمٍ كَهُدّابِ الدِمَقسِ المُفَتَّلِ
وقال طرفة بن العبد:
وَبَركٍ هُجودٍ قَد أَثارَت مَخافَتي
:::بَوادِيَها أَمشي بِعَضبٍ مُجَرَّدِ
فَمَرَّت كَهاةٌ ذاتُ خَيفٍ جُلالَةٌ
:::عَقيلَةُ شَيخٍ كَالوبيلِ يَلَندَدِ
ترمز الشجاعة في الشعر الجاهلي إلى الجرأة والإقدام على مواجهة الحياة بكل ما تحمله، دون خوف. تعود طبيعة العربي إلى الصراع، حيث كان الشجاعة مستمدة من إيمانهم بأن الموت لا مفر منه، وأن الخوف لن يحميهم منه. وقد حرص الشعراء الجاهليون على تعويد أبنائهم على الشجاعة منذ الصغر، ومن أمثلة ذلك:
قال عنترة بن شداد:
إِذا كَشَفَ الزَمانُ لَكَ القِناع
:::وَمَدَّ إِلَيكَ صَرفُ الدَهرِ باعا
فَلا تَخشَ المَنيَّةَ وَاِلقَيَنه
:::وَدافِع ما اِستَطَعتَ لَها دِفاعا
الملهوف هو كل من يواجه صعوبات، سواء كان ذلك بسبب أحداث خارجية كالموت أو الحرائق أو الكوارث الطبيعية. يشتهر العرب في الجاهلية بالاستجابة لمساعدة المحتاجين، نظرًا لما عانوه من مصائب. ومن النماذج على إغاثة الملهوف:
قال زهير بن أبي سلمى:
بِلادٌ بِها نادَمتُهُم وَأَلِفتُهُم
:::فَإِن تُقوِيا مِنهُم فَإِنَّهُما بَسلُ
إِذا فَزِعوا طاروا إِلَى مُستَغيثِهِم
:::طِوالَ الرِماحِ لا ضِعافٌ وَلا عُزلُ
إجارة المستجير تعني حمايته من الأذى والظلم. وهي إحدى مكارم الأخلاق التي تفاخر بها العرب في الجاهلية. ومن أبيات إجارة الضعيف:
قال عمرو بن كلثوم:
أَلَم تَشكُر لَنا أَبناءُ تَيمٍ
:::وَإخوَتُها اللَهَازِمُ والقُعورُ
بِأَنّا نَحنُ أَحمَينا حِماهُم
:::وَأَنكَرنا وَلَيسَ لَهُم نَكيرُ
صلة الرحم ورعاية الجيران تتشابه في معناها لدى الشعراء الجاهليين، حيث يعتبر الأقارب مصدر فخر وعون في أوقات الحاجة. ومن الأمثلة على ذلك:
قال الحارث بن حلزة:
قَذَفَتكَ الأَيّامُ بِالحَدَثِ الأَك
:::بَرِ مِنها وَشابَ رَأسُ الصَغيرِ
وَتَفانى بَنو أَبيكَ فَأَصبَحتَ
:::عَقيرًا لِلدَّهرِ أَو كَالعَقيرِ
وفاء العهود هو خلق نبيل يعني الالتزام بالمواعيد مهما كانت الظروف. والوفاء عند الشعراء الجاهليين يتجلى في شعر الرثاء الذي يبرز محاسن الفقيد. ومن الأمثلة على ذلك:
قال عبيد الأبرص:
تَذَكَّرتُهُم ما إِن تَجِفُّ مَدامِعي
:::كَأَن جَدوَلٌ يَسقي مَزارِعَ مَخروبِ
وَبَيتٍ يَفوحُ المِسكُ مِن حُجُراتِهِ
:::تَسَدَّيتُهُ مِن بَينِ سِرٍّ وَمَخطوبِ
أحدث التعليقات