هو أبو محمد عبد الوهاب بن علي بن نصر بن أحمد بن الحسين بن هارون بن مالك بن طوق التغلبي البغدادي الفقيه المالكي، الذي ينتمي إلى نسل مالك بن طوق التغلبي، صاحب الرحبة الشهيرة.
وُلِد القاضي عبد الوهاب في عام 973م، وهو يوافق سنة 362هـ، في مدينة بغداد، حيث درس فيها حتى أصبح من أبرز فقهاء المذهب المالكي.
درس القاضي عبد الوهاب على أيدي عدد من كبار العلماء، من بينهم ابن الجلاب، والباقلاني، وابن عمروس، وأبو الفضل مسلم الدمشقي وغيرهم، كما درس في العديد من المدن في العراق مثل البصرة والموصل.
عرف عنه تأليف الشعر الفصيح، وتولّى القضاء في مدينة ديالى وشمال العراق، بما في ذلك مدينة إسعرد (التي تقع اليوم ضمن تركيا) ومدينة الدينور (التي تقع الآن في إيران). قرر القاضي بعد ذلك مغادرة العراق متجهًا إلى بلاد الشام، حيث مر بمعرة النعمان والتقى بأبي العلاء المعري قبل أن يتوجه إلى مصر، حيث استقر هناك حتى وافته المنية.
بعد إتمام دراسته تحت إشراف كبار الفقهاء، بدأ القاضي عبد الوهاب التدريس وكتب العديد من المؤلفات في فقه المذاهب وأصول الدين والفقه. غادر بلده العراق عام 419هـ، وكانت محطته الأولى معرة النعمان، حيث أقام فيها لمدّة لا تتجاوز ثمانية أشهر وغادر في جمادى الأولى عام 420هـ.
عند مغادرة القاضي عبد الوهاب بلده، نظم أبيات جميلة في حق العراق، منها:
سلام على بغداد في كل موطنٍ
وحق لها مني سلامٌ مضاعف
فوالله ما فارقتها عن قلىً لهـا
وإني بشطي جانبيها لعـارف
ولكنها ضاقت علي بأسـرهـا
ولم تكن الأرزاق فيها تساعف
وكانت كنخلٍ كنت أهوى دنـوه
وأخلاقه تنأى به وتخـالـف
وعندما وصل إلى معرة النعمان، أنشد قائلاً:
والمالكي ابن نصرٍ زار في سفرٍ
بلادنا فحمدنا النأي والسفر
إذا تفقه أحـيا مـالـكـاً جـدلاً
وينشر الملك الضليل إن شعرًا
كما نظم القاضي عبد الوهاب بعض الأشعار الطريفة والجميلة، منها:
ونائمة قبلـتـهـا فـتـنـبـهـت
فقالت تعالوا واطلبوا اللص بالحـد
فقلت لها إني فـديتـك غـاصـبٌ
وما حكموا في غاصبٍ بسوى الرد
خذيها وكفي عـن أثـيمٍ ظـلامةً
وإن أنت لم ترضي فألفاً على العد
فقالت: قصاص يشهد العقـل أنـه
على كبد الجاني ألذ من الشـهـد
فباتت يميني وهي هميان خصرها
وباتت يساري وهي واسطة العقد
فقالت: ألم أخبـر بـأنـك زاهـدٌ
فقلت بلى ما زلت أزهد في الزهد
أما الأشعار الظريفة التي ألقاها بحق بغداد، فقال:
بغداد دارٌ لأهل المـال طـيبة
وللمفاليس دار الضنك والضيق
ظللت حيران أمشي في أزقتها
كأنني مصحفٌ في بيت زنديق
كتب القاضي عبد الوهاب العديد من المؤلفات القيمة التي انتشرت بشكل واسع بين الناس وطلاب العلم في بلاد المغرب والأندلس، ومن أهم هذه المؤلفات:
توفّي القاضي عبد الوهاب عام 422هـ، ودفن في القرافة الصغرى بالقرب من علماء المالكية في مصر، حيث لا يزال قبره موجودًا حتى يومنا هذا.
أحدث التعليقات