يتبين الغرض من بناء الكعبة المشرفة من خلال كونها مَثابة للناس، حيث تساهم في توحيدهم وجمعهم من مختلف أنحاء العالم، مما يعزز لديهم شعور الأمان والطمأنينة. وقد أُسس هذا الصرح المقدس على يد النبي إبراهيم وابنه إسماعيل -عليهما السلام- بغرض أن تكون قلوب الناس متوجهة نحوها. كما ورد في قوله تعالى: (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ). تحظى الكعبة بمكانة رفيعة في نفوس المسلمين، إذ جعلها الله -تعالى- قبلةً لهم في صلواتهم، حيث يوجه كل مسلم وجهه نحوها في كل مرة يؤدي فيها الصلاة. كما أنها مكان لأداء المناسك المرتبطة بالحج والعمرة، والتي تشمل طواف المسلمين حول الكعبة وفق ما شرعه الله -عز وجل-.
تتعدد الأسباب وراء جعل الكعبة قبلة للمسلمين في صلواتهم، ولكن الحكمة الدقيقة لذلك قد تبقى غامضة، حيث يُحتمل أن تكون لأنها كانت قبلة النبي إبراهيم -عليه السلام-، أو استجابةً لرغبة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- حين طلب الله تحويل القبلة نحوها، كما ورد في قوله تعالى: (قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهَكَ فِي السَّمَاءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ). كما يُعتبر تحويل القبلة بمثابة رد على اعتراض اليهود بأن القبلة بين المسلمين واليهود تلتقي. يتعين على المسلم أن يتقبل الأوامر والنواهي الإلهية بالثقة بأن الله -تعالى- لم يأمر بشيء إلا وكان فيه مصلحة، ولم ينه عن شيء إلا وكان فيه ضررٌ أو فساد. لذلك، لا ينبغي الاستفسار بشكل مفرط عن الحكمة، إذ قد يجهل المسلم ذلك حتى يختبر الله إيمانه واستسلامه لأوامره. وقد تظهر هذه الحِكم لاحقًا لزيادة إيمان المؤمنين، مع الالتزام بالاعتقاد بأن كل ما شرعه الله يتضمن حكمة إلهية عميقة.
مرت الكعبة عبر التاريخ بعدة مراحل في البناء، إذ يُقال إنها أُنشئت أولاً على يد الملائكة، ثم أعيد بناؤها بواسطة آدم -عليه السلام-، تلا ذلك بناء شيث -عليه السلام-. لكن مرحلة البناء المثبَتة في الكتاب والسنة هي تلك التي قام بها النبي إبراهيم وابنه إسماعيل -عليهما السلام-. حيث زودهما الله -تعالى- بالإرشادات حول موقع الكعبة، وقاما برفع قواعدها. كان إبراهيم -عليه السلام- يجلب الحجارة فيما كان إسماعيل يساعده في وضعها، حتى جاء angel جبريل -عليه السلام- بالحجر الأسود الذي أُضيف إلى البناء.
أحدث التعليقات