تعتبر التفرقة بين المسؤولية المدنية والمسؤولية الجنائية أمرًا بالغ الأهمية، حيث تساهم في توضيح الروابط المشتركة بين الجرائم التي تؤدي إلى تعويض مالي نتيجة الإهمال من قبل مرتكب الجريمة. في هذا المقال، سنستعرض الفروق بين المسؤولية المدنية والجنائية وفقًا لمواد القانون.
تختلف المسؤولية المدنية عن المسؤولية الجنائية في عدة جوانب رئيسية، نذكر منها ما يلي:
ترتبط المسؤولية الجنائية بفعل ضار يلحق بالمجتمع، مما يجعل الضرر عامًا، في حين أن المسؤولية المدنية تتعلق بفعل ضار يلحق ضررًا بشخص محدد، مما يجعل تأثيره خاصًا. وفي بعض الحالات، قد تؤدي نفس الفعلة الضارة إلى المسؤوليتين (الجنائية والمدنية) كما هو الحال في الجرائم المتعلقة بحقوق الأفراد الشخصية والمالية.
يتبع كل جريمة الحق في تقديم دعوى عمومية لتطبيق قواعد قانون العقوبات، والتي تشمل عقوبات متنوعة، سواء كانت بدنية أو مالية. في الوقت نفسه، يمكن رفع دعوى مدنية للمطالبة بتعويض عن الأضرار الناتجة عن تلك الجريمة.
تشتمل العقوبة في المسؤولية الجنائية على عقوبات تتراوح بين القيود على حرية الشخص أو الغرامة المالية، بينما في المسؤولية المدنية تكون العقوبة عبارة عن التعويض الذي يجب دفعه للمتضرر. وبسبب طبيعة العقوبة في المسؤولية الجنائية، يتم تحديدها بشكل حصري. بالمقابل، العقوبة المتعلقة بالخطأ المدني ليست محددة بشكل دائم، حيث ينص القانون المدني على قاعدة مفادها أن كل من يرتكب خطأ يتسبب في ضرر للآخرين يلزم بالتعويض.
لا يجوز التنازل عن الحق أو إجراء صلح في إطار المسؤولية الجنائية، بينما هما مسموحان في المسؤولية المدنية. يعود السبب في ذلك إلى أن الحق في المسؤولية الجنائية يُعتبر حقًا عامًا للمجتمع، بينما الحق في المسؤولية المدنية هو حق فردي خاص بالمتضرر فقط، والذي له حق التنازل عنه أو إجراء صلح.
الدعوى المتعاقبة من المسؤولية الجنائية تُعتبر دعوى عامة يتولاها المجتمع، وتعتمد النيابة العامة على متابعة هذه الدعوى. بينما الدعوى المدنية الناشئة عن المسؤولية المدنية تخص فقط الشخص المتضرر، وتكون من اختصاص المحاكم المدنية، ما لم تتعلق بدعوى عمومية، حيث يمكن أن يتغير الاختصاص هنا.
لا يُسمح بالتأمين على المسؤولية الجنائية، نظرًا لأن هذه المسؤولية ترتبط بالنظام العام. بينما التأمين متاح في حالة المسؤولية المدنية، حتى لو كان أساسها الخطأ. على سبيل المثال، التأمين الذي تقدمه شركات التأمين ضد الأضرار التي قد تسببها سيارة شخص ما للغير أثناء حادث، يتضمن دفع تعويض عن هذا الضرر. ومع ذلك، لا يُسمح بالتأمين على الأخطاء العمدية أو الغش، حيث لا يمكن أن تكون هذه الأفعال محلًا للتأمين بأي شكل من الأشكال.
الأصل أن دعوى التعويض عن الأضرار أو شبه الجرائم تتقادم بعد 5 سنوات من علم المتضرر بالضرر والمسؤول عنه. كما تتقادم الدعوى عمومًا بعد مرور 20 سنة من حدوث الضرر. أما بالنسبة للدعوى العمومية ذات الحق العام، فتخضع لفترات تقادم مختلفة، كالتالي:
إذا لم ترتبط المسؤولية الجنائية بالمسؤولية المدنية، فإن تأثير المسؤولية الجنائية يمكن أن يؤثر بشكل كبير على المسؤولية المدنية، وذلك بسبب قوة المسؤولية الجنائية كحق عام يعود بالنفع على المجتمع، في حين أن المسؤولية المدنية هي حق خاص للفرد. يظهر هذا التأثير في عدة مجالات رئيسية، وهي كما يلي:
إذا لم تؤدي الفعلة الواحدة إلى كل من المسؤوليتين الجنائية والمدنية، وتم رفع دعوى مدنية أمام المحاكم المدنية، فإن تقديم الدعوى أمام المحكمة الجنائية سيوقف إجراءات الدعوى المدنية، ويجب على المحكمة المدنية الالتزام بقرار المحكمة الجنائية.
عند حدوث الفعلة ذاتها، مما ينعكس عن مسؤوليتين جنائية ومدنية، يمكن رفع الدعوى المدنية أمام المحكمة الجنائية، حيث تتبع الدعوى المدنية الدعوى الجنائية، وبالتالي، فإن الاختصاص القضائي يتحول من المحكمة المدنية إلى الجنائية.
إذا لم تصدر المحكمة الجنائية حكمًا معينًا في دعوى ما، فإن هذا الحكم يمتلك قوة الأمر المقضي. وبناءً عليه، يجب على المحكمة المدنية الالتزام بما أثبتته المحكمة الجنائية من حقائق في حكمها. كما أن دعوى التعويض المدنية لا تسقط إلا بسقوط الدعوى الجنائية. فإذا لم ترتبط الفعلة بدعويين (مدنية وجنائية)، فإن عدم تقادم الدعوى الجنائية سيؤدي إلى إيقاف التقادم للدعوى المدنية. بمعنى آخر، ستظل الدعوى الجنائية حية وتؤثر على الدعوى المدنية ما دامت قائمة.
تُعتبر المسؤولية وسيلة تهدف إلى إزالة الضرر الذي لحق بالغير. ويعد مفهوم الخطأ في القانون هو الأساس للمسؤولية المدنية، حيث إنه بناءً على ذلك، يُلتزم بالتعويض عن الأضرار التي تلحق بالآخرين، وإلا سيتعرض المتسبب في الضرر للعقوبة القانونية.
أحدث التعليقات