العوامل المؤثرة في المبتدأ والخبر في اللغة العربية

العامل النحوي

أولى النحاة اهتماماً كبيراً للحديث عن العامل النحوي في مؤلفاتهم، حيث تركزت النقاشات حول تفسير العلاقات النحوية وما يترتب عليها من اختلافات في العلامات الإعرابية. فعلى سبيل المثال، يأتي المبتدأ في بداية الجملة مرفوعاً، ويُعتبر عامله هو الابتداء، وهو عنصر معنوي غير ظاهر في الجملة. بينما الفاعل يُرفع أيضاً، ويكون عامله هو الفعل الذي يسبقه، مما يجعله عاملاً لفظياً بارزاً في الجملة.

يقول تمّام حسّان: “ألَّف العرب الكثير من الكتب حول العوامل، سواء كانت هذه العوامل لفظية أو معنوية، وقد وصل عددها عند بعضهم إلى مائة عامل”.

الجدل حول عامل المبتدأ والخبر بين البصريين والكوفيين

عند التعمق في مسألة عامل المبتدأ والخبر، نجد أنه يوجد جدل واسع بين النحاة، خاصة من مدرستي البصرة والكوفة، وهما من أهم المدارس النحوية. وتم تفصيل هذا الجدل في مسألة “القول في رافع المبتدأ ورافع الخبر” كما يلي:

  • يرى الكوفيون أن المبتدأ يرفع الخبر، والخبر يرفع المبتدأ، أي أن كليهما يترافعان.
  • بينما يرى البصريون أن المبتدأ يرتفع بسبب الابتداء، أما بالنسبة للخبر فقد اختلفوا فيه: فبعضهم اعتبر أنه يرتفع بالابتداء بمفرده، وآخرون اعتبروا أن المبتدأ والخبر يرتفعان معًا، وهناك من رأى أن المبتدأ يرتفع بالابتداء فيما يرفع الخبر.

يحتج الكوفيون بأن المبتدأ يعتمد على الخبر والعكس صحيح، لذا لا يتم الكلام إلا بحضور كلا العنصرين، مما جعلهم يعتقدون بأنهما يترافعان.

وأشار الأنباري في تفسير قوله: “هل ترى أنه إذا قلت ‘زيد أخوك’ لا يُعتبر أحدهما كلاماً إلا بوجود الآخر؟ لذا عندما لا ينفصل أي منهما عن الآخر، وهو ما يتطلب وجود الآخر، فقد عمل كل منهما في الآخر كعمل الآخر في كل منهما؛ ولهذا قلنا إنهما يترافعان، حيث يقوم كل منهما برفع الآخر، ولا يمنع أن يكون كل واحد منهما عاملاً ومعمولاً”.

أما البصريون فيرى حجتهم بأن العامل في الخبر هو الابتداء، حيث إن العوامل النحوية ليست بالضرورة حسية لفظية بل يمكن أن تكون علامات ودلالات، والعامل في الخبر هو المبتدأ نفسه.

حسب قول الأنباري في دعم رأي البصريين: “إذا كان لديك ثوبان وأردت تمييز أحدهما، فصبغت أحدهما وتركت الآخر كما هو، فإن ترك صبغ أحدهما يُعادل صبغ الآخر في عملية التمييز. وبذلك، إذا كان الاثنان عاملين في المبتدأ، فإنه يجب أن يؤثرا في الخبر، كما هو الحال مع العوامل الأخرى مثل ‘كان وأخواتها’ و ‘إن وأخواتها’، لأنهما عندما عملتا في المبتدأ، عملتا أيضًا في الخبر”.

الاختلاف في عامل المبتدأ والخبر بين النحاة

تتعدد الآراء بين النحاة حول هذه القضية، فقد أشار كتاب “تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد” إلى مذهب آخر حول عامل المبتدأ والخبر كالتالي:

  • يرى البعض أن كلاً من المبتدأ والخبر مرفوعان بالابتداء، وهذا رأي الأخفش والرمّاني وابن السّراج.
  • بينما يقول المبرّد إن الابتداء يرفع المبتدأ بذاته، ويرفع الخبر بواسطة المبتدأ.
  • هناك رأي يذهب إلى أنهما مرفوعان بالتجرّد للإسناد، بمعنى انتزاعهما من العوامل اللفظية، وهو مذهب الجرمي والسيرافي وكثير من البصريين.
  • يرى الكوفيون أن المبتدأ يرفع الخبر والخبر يرفع المبتدأ، أي أنهما يترافعان.
  • بعضهم يعتقد أن المبتدأ ارتفع بسبب شبهه بالفاعل، ولا يُعرف ما يرفع الخبر في هذا السياق، ولكن يُفهم أنه المبتدأ، وهو رأي ابن عصفور.
  • يذهب ابن أبي الربيع إلى أن الابتداء عامل في المتقدّم، ورأي آخر يقول إن المقدّم هو العامل في المؤخر.

الرجح في هذه الآراء هو أن المبتدأ مرفوع بالابتداء، والخبر مرفوع بالمبتدأ، وهذا هو مذهب سيبويه، حيث نص على ذلك في العديد من مواضع كتابه، مشيراً إلى أن المرفوع بسبب الابتداء سيكون عاملاً في رفع ما يعتمد عليه، كما في قوله ‘عبد الله منطلق’ حيث ارتفع عبد الله لأنه يستند إلى المنطلق، وارتفاع المنطلق يكون بسبب وجود المبتدأ، وهو ما أيده جمهور البصريين.

الرأي الشائع حول عامل المبتدأ والخبر

أشار عبده الراجحي في كتابه “التطبيق النحوي” إلى أن الرأي السائد في كتب النحو هو: “العامل في المبتدأ هو الابتداء، والعامل في الخبر هو الابتداء أو المبتدأ أو كليهما معًا”.

Published
Categorized as معلومات عامة