الطغرائي: شاعر ووزير في العصر العباسي

نشأة الطّغرائي

يُعَد العميد فخر الكتّاب الحسين بن علي بن محمد بن عبد الصمد، المعروف بأبي إسماعيل مؤيد الدين الأصبهاني الطغرائي، شخصية بارزة في مجالات العلم والأدب. عُرف بلقب “الأستاذ”، ويُنسب اسمه إلى كتابة الطغراء، والتي تشير إلى الزخرفة التي تُكتب في أعلى المنشورات السلطانية بواسطة القلم الجلي، وتتضمن ألقاب ونعوت الملوك. وُلِد الطغرائي في عام 455هـ وتوفي في عام 513هـ في مدينة أصفهان، وترك وراءه ديوانًا شعريًا مميزًا.

الحياة العلمية والعملية للطغرائي

الحياة العلمية للطغرائي

نشأ الطغرائي وتعلم في مدينة أصبهان، حيث درس الأدب واللغة والعلوم الشرعية، بالإضافة إلى العلوم الطبيعية، وخاصة الكيمياء التي تميز فيها. يمتاز بأصله العربي الذي ينتمي إلى عائلة أبي الأسود الدؤلي، وشغل منصب الوزارة في مدينة إربل، وخدم السلطان ملك بن شاه ألب أرسلان.

تولى كتابة الطغراء وديوان الإنشاء خلال فترة حكم الدولة السلجوقية في الموصل. سافر إلى بغداد في عام 505هـ، ولكن ضاقت به أحوال الحياة فقام بكتابة قصيدته الشهيرة “لامية العجم”، والتي تتضمن شكواه من واقعه وزمنه. كان يتمتع بشعور عالٍ من الفخر والطموح.

الحياة العملية للطغرائي

تألق الطغرائي في فنون الإنشاء والشعر، وكان مثقفًا في مختلف مجالات المعرفة في عصره. وقد شغل منصبًا مرموقًا في الدولة، حيث كان مقربًا من الملوك الذين استقطبوه للعمل بفضل براعته ومكانته العلمية. تولى مهام الاستيفاء والكتابة في إربل، واحتفظ بمنصب ديوان الإنشاء وديوان الطغراء للملك محمد بن ملكشاه طوال فترة حكمه.

الطغرائي كيميائيًا

يعتبر الطغرائي من أبرز العلماء المسلمين في مجال الكيمياء، ولكنه لم يقم بالتجارب العملية، بل عكف على الأبحاث النظرية وجمع المؤلفات التي سبقت عهده في هذا المجال. ومن مؤلفاته في الكيمياء:

  • تراكيب الأنوار في الإكسير.
  • أسرار الحكمة.
  • جامع الأسرار في الكيمياء.
  • الجوهر النضير في صناعة الإكسير.
  • الرد على ابن سينا في الكيمياء.

الطغرائي شاعرًا

يعتبر الطغرائي شاعراً بارزاً وكاتباً موهوباً، حيث أبدع في نظم الشعر، بما في ذلك قصيدته الشهيرة في رثاء زوجته المخلصة و”لامية العجم”، التي حققت شهرة واسعة وترجمت إلى عدة لغات. وقد تجاوزت شهرة شعره إنجازاته في مجالات أخرى، حيث كان يمتلك القدرة على التعبير عن تجاربه الحياتية بلغة شاعرية قوية.

وصفه ابن خلكان بأنه يمتاز بكثير من الفضل ولطف الطبع، مُشيرًا إلى تميزه في فنون النظم والنثر، بينما قال ياقوت الحموي أنه كان من آيات الكتابة والشعر. قصائد الطغرائي متنوعة تشمل مدح، وحماسة، وفخر، وغزل، وشكاوى، ودعوة إلى التعاون بين الناس، وله ديوان شعر مطبوع.

كتب الطغرائي العديد من القصائد ونظم في مختلف أغراض الشعر العربي، لكن قصيدته “لامية العجم” استحوذت على اهتمام بارز، حيث لاقت تقديراً كبيراً من الأدباء العرب خلال العصور الأدبية المختلفة، واهتم بها الباحثون المستشرقون الذين أشادوا بها وترجموها إلى لغاتهم مثل الفرنسية واللاتينية والإنجليزية.

قال عنها الصفدي: “أما فصاحة لفظها فيسبق السمع إلى حفظها، وأما انسجامها فيطوف منه بخمر الأنس جامها، وأما معانيها فنزهة معانيها …”، إذ تحتوي القصيدة على صور رائعة وأخلاق سامية، وعبارات تعبر عن القيم والحكم والمبادئ التي استخلصها من تجاربه الشخصية. سُمِّيت “لامية العجم” بهذا الاسم تيمناً بلامية العرب للشنفرى، لأنها تقاربها في حكمها وأمثالها. وإليكم بعض أبيات منها:

أصالة الرأي صانتني عن الخطل

وحلية الفضل زانتني لدى العطل

مجدي أخيرًا ومجدي أولًا شرع

والشمس رأد الضحى كالشمس في الطفل

فلا صديق إليه مشتكى حزني

ولا أنيس إليه منتهى جذلي

Published
Categorized as روايات عربية