في العصر العباسي الثاني، ظهرت مدرسة الشعراء المولدون حيث أخذ الشعر منحى جديدًا يبتعد عن التقليد العربي الأصيل، مُستفيدة من التأثيرات الثقافية المتنوعة التي تفاعل معها العرب، مما أدى إلى ازدهار حضارتهم والانفتاح على أفكار جديدة. وفيما يلي أبرز الشعراء الذين تميزوا في تلك الفترة:
بشار بن برد هو شاعر معروف بأصوله الفارسية، ومع ذلك فقد نشأ في بني عقيل حيث اكتسب منهم الأدب العربي الفصيح. بدأ كتابة الشعر في سن مبكرة حيث كان في العاشرة من عمره، وميّله إلى الهجاء. ومن أشهر قصائده تلك التي يبدأ فيها بالنداء:
يا صاحِ قُم فَاِسقِني بِالكَأسِ إِعرابا
وَلا تُطِع عاقِباً فينا وَعَقّابا
إِنَّ الهَوى حَسَنٌ حَتّى تُدَنِّسَهُ
فَاِطلُب هَواكَ سَتيراً وَاِرعَ أَحبابا
وَاِحفَظ لِسانَكَ في الواشينَ إِنَّ لَهُم
عَيناً تَرودُ وَتَنفيراً وَإِلهابا
لا تُفشِ سِرَّ فَتاةٍ كُنتَ تَألَفُها
إِنَّ الكَريمَ لَها راعٍ وَإِن تابا
وَاِسعَد بِما قالَ في الحِلمِ اِبنُ ذي يَزَنٍ
يَلهو الكِرامُ وَلا يَنسَونَ أَحسابا
جَدُّ اِمرِئٍ جارَهُ مِن كُلِّ فاضِحَةٍ
فَاِنهَض بِجَدٍّ تَنَل جاهاً وَإِكسابا
قَد شَفَّني حَزَنٌ ضاقَ الفُؤادُ بِهِ
وَسَرَّني زائِرٌ في النَومِ مُنتابا
باتَت عَروساً وَبِتنا مُعرِسينَ بِها
حَتّى رَأَينا بَياضَ الصُبحِ مُنجابا
وَقائِلٍ نامَ عَن أَسماءَ شاكِيَةً
لا نَوَّمَت عَينَهُ إِن كانَ كَذّابا
ما زِلتُ في الغَمِّ مِن وِردٍ يُقَلِّبُها
كَأَنَّني فيهِ لا أَلقى لَهُ بابا
بَل كَيفَ أُسقى عَلى الرَيحانِ مُتَّكِئاً
وَقَد تَعَلَّقتُ مِن أَسماءَ أَسبابا
عادَ الهَوى بِلِقاءِ الغُرِّ مِن جُشَمٍ
يَمشينَ تَحتَ الغَمامِ الغُرِّ أَترابا
يُعرف الحسن بن هانئ بن عبد الأول بن الصباح بأبو نواس، وقد وُلد في الأهواز بفارس، وانتقل لاحقًا للعيش في الرباط. كان لديه ميل كبير للشعر والأدب، مما دفعه للانتقال إلى بغداد في الثلاثينيات من عمره حيث تواصل مع هارون الرشيد الذي قربه من مجلسه. ومن قصائده المشهورة:
غزالَ العمر في خلل الديار
فِداكَ مع اللحى شكلُ الجواري
وكلّ مزنّر الكشحين منه
سريع في الحشا مجرى السوار
إذا ما راح من قلّايتيهِ
لهيكلهِ وآذنَ بابتكارِ
فكبّرَ ثم قدّسَ ثم صلّى
مقادسةُ الأساقفةِ الكِبار
سمعتُ له بمن عندي حنيناً
حنينَ النبتِ بالبلدِ القفارِ
يقلّدُ في ترائبهِ صليباً
ومستلب الذوائبِ بالشعار
أعارَ الدر ما انتظمت عليهِ
مضاحكهُ منافسة التجار
فذاك وإن عصبتُ له برأسي
عصابةَ شهرةٍ من قول زار
أحبُّ إليّ من نعتِ المطايا
إلى البيت المحرم ذي الستار
وطوفي بالصفاء ومروَتيه
ومسح الركن مع رمي الجمار
سأجعل حجّتي ماسرجسايا
رضيتُ بذاك حجّي واعتماري
ودومةَ مشعري والديرَ رُكني
وأحلقُ لِمّتي بالنوبهارِ
أبو تمام هو حبيب بن أوس الطائي، الذي يُنسب إلى قبيلة طيء العربية. ويُذكر أن والده كان نصرانيًا واسمه تدّوس، وقد غيّر اسمه بعد إسلامه إلى أوس. تميز بالشعر الرحالي ورفض الاستقرار، وكان يتواصل مع الأمراء في المناطق التي يزورها ليمدحهم. ارتبطت شهرته بالرثاء والمديح، ومن بين قصائده:
أَفنى وَلَيلي لَيسَ يَفنى آخِرُه
هاتا مَوارِدُهُ فَأَينَ مَصادِرُه
نامَت عُيونُ الشامِتينَ تَيَقُّناً
أَن لَيسَ يَهجَعُ وَالهُمومُ تُسامِرُه
أَسرَ الفِراقُ عَزائَهُ وَنَأى الَّذي
قَد كانَ يَستَحيِيهِ إِذ يَستاسِرُه
لا شَيءَ ضائِرُ عاشِقٍ فَإِذا نَأى
عَنهُ الحَبيبُ فَكُلُّ شَيءٍ ضائِرُه
يا أَيُّهاذا السائِلي أَنا شارِحٌ
لَكَ غائِبي حَتّى كَأَنَّكَ حاضِرُه
إِنّي وَنَصراً وَالرِضا بِجِوارِهِ
كَالبَحرِ لا يَبغي سِواهُ مُجاوِرُه
ما إِن يَخافُ الخَذلَ مِن أَيّامِهِ
أَحَدٌ تَيَقَّنَ أَنَّ نَصراً ناصِرُه
يَفدي أَبا العَبّاسِ مَن لَم يَفدِهِ
مِن لائِميهِ جِذمُهُ وَعَناصِرُه
مُستَنفِرٌ لِلمادِحينَ كَأَنَّما
آتيهِ يَمدَحُهُ أَتاهُ يُفاخِرُه
ماذا تَرى فيمَن رَآكَ لِمَدحِهِ
أَهلاً وَصارَت في يَدَيكَ مَصايِرُه
قَد كابَرَ الأَحداثَ حَتّى كَذَّبَت
عَنهُ وَلَكِنَّ القَضاءَ يُكابِرُه
مُر دَهرَهُ بِالكَفِّ عَن جَنَباتِهِ
فَالدَهرُ يَفعَلُ صاغِراً ما تامُرُه
لا تَنسَ مَن لَم يَنسَ مَدحَكَ وَالمُنى
تَحتَ الدُجى يَزعُمنَ أَنَّكَ ذاكِرُه
أحدث التعليقات