الزهد في فترة الحكم العباسي المبكرة

الزهد

الزهد هو الميل نحو العبادة والابتعاد عن ملذات الدنيا، مما يعكس إعراضًا عنها كنوع من الاحتقار لها.

الزهد في العصر العباسي الأول

في ظل الظروف الصعبة والتراجع الديني الذي شهدته الفترة العباسية، بدأ يظهر شعاع من النور يتجلى في قيم الزهد، حيث دعا الناس للعودة إلى الله وتذكر الآخرة. كما برزت أشعار الزهد، التي كانت تهدف إلى لفت انتباه الناس إلى الغرض الذي خُلقوا من أجله، نتيجة لتعلقهم بالدنيا وإهمالهم للآخرة.

استغل الشعراء في العصر العباسي الأول مفهوم الزهد في قصائدهم ومواعظهم، ليوقظوا ضمير الناس ويذكروا لهم أن الحياة قصيرة وزائلة. وبالتالي، أصبح الزهد بمثابة تيار يناهض المجون، وتميزت هذه الحقبة باحتضان شعر الزهد وتعزيزه.

أثر الزهد على العصر العباسي

كان لأثر الزهد تأثير عميق على العصر العباسي، وذلك من خلال:

  • فتح باب التصوف من خلال الزهد.
  • الإفادة من الإندماج في الثقافات والحضارات الأخرى، مما أسفر عن شعر غني بالإيمان وذكر الآخرة.
  • استخدام الشعراء لآيات القرآن الكريم، ما جعل لها دلالة وتأثير ملحوظ في كتاباتهم.
  • تأثر عدد من الشعراء بحالة الزهد، مما دفعهم إلى التوبة والعودة إلى الدين.

خصائص شعر الزهد في العصر العباسي

تميز شعر الزهد بوضوح أفكاره، ومناقشة القضايا، والمواعظ، والحكم. وتنبه الشعراء بشكل كبير لمكانة الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث أولوا اهتمامًا كبيرًا لسيرته وعبروا عن ذلك في أعمالهم. وقد تجلى الزهد كمنهج حياة، يتمثل في ترك الدنيا الفانية، ومن أبرز خصائصه:

  • طابع الإرشاد، حيث تم تقديم النصائح بأسلوب بسيط وبعيد عن التعقيد، مثلما ورد في قول أبي العتاهية: “الحمد والنعمة لك لا شريك لك لبيك إنك الملك”.
  • كثرة الأبيات، حيث بلغ عدد أبيات القصيدة الواحدة إلى أربعة آلاف بيت.
  • استخدام الأوزان الشعرية المختلفة بشكل واسع.
  • تواجد صور فنية غنية ومتنوعة.
  • الاهتمام بالبنية الشعرية حتى في آخر الأبيات.
  • تأثر الشعراء بآيات القرآن الكريم في قصائدهم.
  • تركيز الشعراء على موضوعي الموت والآخرة، كما تجلى ذلك في أشعار أبي العتاهية بشكل بارز.

شعر أبي العتاهية في الزهد

إسماعيل بن القاسم بن سويد العيني، المعروف بأبي العتاهية، وُلد لعشيرة عنزة بين سنتي (130هـ-211هـ / 747م-826م). يُعد من أبرز شعراء الزهد إذ عبر عن العديد من الأزمات في حياته. تعرض للطعن في دينه وعانى من حب لم يُقدر له أن ينجح، بالإضافة إلى فقره الشديد الذي قادته إلى حياة قاسية مليئة بالعزلة والكآبة. كان يحمل في قلبه التسامح واللين، ومن المواضيع البارزة التي تناولها في شعره:

  • الحديث عن الموت بشكل متكرر، فعبر عن ذلك بقوله:

لَعَمرُكَ ما الدُنيا بِدارِ بَقاءِ

كَفاكَ بِدارِ المَوتِ دارَ فَناءِ

فَلا تَعشَقِ الدُنيا أُخَيَّ فَإِنَّما

تَرى عاشِقَ الدُنيا بِجُهدِ بَلاءِ

حَلاوَتُها مَمزوجَةٌ بِمَرارَةٍ

وَراحَتُها مَمزوجَةٌ بِعَناءِ

  • التطرّق إلى خداع الدنيا وزوالها، فقال:

نَصَبتِ لَنا دونَ التَفَكُّرِ يا دُنيا

أَمانِيَّ يَفنى العُمرُ مِن قَبلِ أَن تَفنى

بكيْتُ على الشّبابِ بدمعِ عيــني

فلـم يُغـنِ البُكــاءُ ولا النّحـيبُ

Published
Categorized as آثار ومدن ضائعة