الرأي قبل شجاعة الأبطال

قصيدة الرأي قبل شجاعة الشجعان

إن الشاعر المتنبي في هذه القصيدة يتناول موضوعًا عميقًا حول قيمة الرأي والشجاعة. يقول:

الرّأيُ قَبلَ شَجاعةِ الشّجْعانِ

هُوَ أوّلٌ وَهيَ المَحَلُّ الثّاني

فإذا همَا اجْتَمَعَا لنَفْسٍ حُرّةٍ

بَلَغَتْ مِنَ العَلْياءِ كلّ مكانِ

وَلَرُبّما طَعَنَ الفَتى أقْرَانَهُ

بالرّأيِ قَبْلَ تَطَاعُنِ الأقرانِ

لَوْلا العُقولُ لکانَ أدنَى ضَيغَمٍ

أدنَى إلى شَرَفٍ مِنَ الإنْسَانِ

وعندما تتفاضل النفوس وتتدبر،

تُحرك أيدي الكُماة عَوَالي المُرّانِ

لَوْلا سَميُّ سُيُوفِهِ وَمَضَاؤهُ

لمّا سُلِلْنَ لَكُنّ كالأجْفانِ

هذا وقد خاضَ الحِمَامَ بهنّ حتى لا يُدرى،

أمِنِ احتِقارٍ ذاكَ أمْ نِسْيَانِ

وَسَعَى فَقَصّرَ عن مَداهُ في العُلى

أهْلُ الزّمانِ وَأهْلُ كلّ زَمَانِ

تَخِذُوا المجالسَ في البيوت وعندَه،

أنّ السّرُوجَ مَجالسُ الفِتيانِ

وَتَوَهّمُوا اللعِبَ الوَغى والطعنُ في الـ

هَيجاءِ غَيرُ الطّعْنِ في الميدانِ

قادة الجياد يُقودون الى الطعان،

لكن لم يَقُدْوا إلاّ إلى العاداتِ والأوْطانِ

كُلَّ ابنِ سَابقةٍ يُغيرُ بحُسْنِهِ

في قَلْبِ صاحِبِهِ عَلى الأحزانِ

إذا خُلِّيَتْ رُبِطَتْ بآدابِ الوَغى،

فدُعاؤها يُغني عنِ الأرْسانِ

في جَحْفَلٍ سَتَرَ العُيُونَ غبارُهُ،

فكأنّمَا يُبْصِرْنَ بالآذانِ

يَرْمي بها البَلَدَ البَعيدَ مُظَفَّرٌ،

كُلُّ البَعيدِ لَهُ قَرِيبٌ دانِ

فكأنّ أرْجُلَهَا بتُرْبَةِ مَنْبِجٍ،

يَطرَحنَ أيديَها بحِصْنِ الرّانِ

حتى عَبرْنَ بأرْسَنَاسَ سَوَابحاً،

يَنْشُرْنَ فيهِ عَمَائِمَ الفُرْسانِ

يَقْمُصْنَ في مثلِ المُدَى من بارِدٍ،

يَذَرُ الفُحُولَ وَهنّ كالخصْيانِ

والماءُ بَيْنَ عَجاجَتَينِ مُخَلِّصٌ،

تَتَفَرّقانِ بِهِ وَتَلْتَقِيَانِ

رَكَضَ الأميرُ وكاللُّجَينِ حَبَابُهُ،

وَثَنى الأعِنّةَ وَهْوَ كالعِقيانِ

فَتَلَ الحِبالَ مِنَ الغَدائِرِ فوْقَهُ،

وَبَنى السّفينَ لَهُ منَ الصّلْبانِ

وحشوهُ عادِيَةً بغَيرِ قَوَائِمٍ،

عُقُمَ البطونِ حَوَالِكَ الألوَانِ

تأتي بما سَبَتِ الخُيُولُ كأنّهَا،

تحتَ الحِسانِ مَرَابضُ الغِزْلانِ

بَحْرٌ تَعَوّدَ أنْ يُذِمّ لأهْلِهِ،

من دَهْرِهِ وَطَوَارِقِ الحِدْثَانِ

فتَرَكْتَهُ وَإذا أذَمّ مِنَ الوَرَى،

رَاعَاكَ وَاستَثنى بَني حَمدانِ

المُخْفِرِينَ بكُلّ أبيَضَ صَارِمٍ،

ذِممَ الدّرُوعِ على ذوي التّيجانِ

مُتَصَعْلِكينَ على كَثَافَةِ مُلكِهم،

مُتَوَاضِعِينَ على عَظيمِ الشّانِ

يَتَقَيّلُونَ ظِلالَ كُلّ مُطَهَّمٍ،

أجَلِ الظّليمِ وَرِبْقَةِ السِّرْحانِ

خَضَعتْ لمُنصُلكَ المَناصِلُ عَنوَةً،

وَأذَلّ دِينُكَ سَائِرَ الأدْيانِ

وعلى الدّروبِ وفي الرّجوعِ غضَاضَةٌ،

وَالسّيرُ مُمْتَنِعٌ مِنَ الإمْكانِ

وطريقُ ضَيّقَةُ المَسَالِكِ بالقَنَا،

وَالكُفْرُ مُجتَمعٌ على الإيمَانِ

نَظَرُوا إلى زُبَرِ الحَديدِ كأنّمَا،

يَصْعَدْنَ بَينَ مَناكِبِ العِقْبانِ

وَفَوَارِسٍ يُحيي الحِمامُ نُفوسَها،

فكأنّهَا لَيستْ مِنَ الحَيَوَانِ

مَا زِلتَ تَضرِبهُم دِرَاكاً في الذُّرَى،

ضَرْباً كأنّ السّيفَ فيهِ اثْنانِ

خصّ الجَماجمَ والوُجوهَ كأنّمَا،

جاءتْ إليكَ جُسُومُهُم بأمانِ

فرَمَوْا بما يَرْمونَ عَنْهُ وَأدْبَرُوا،

يَطَأونَ كُلّ حَنِيّةٍ مِرْنَانِ

يَغشاهُمُ مَطَرُ السّحاب مُفَصَّلاً،

بمُهَنّدٍ وَمُثَقَّفٍ وَسِنَانِ

حُرِموا الذي أَمَلُوا وَأدرَكَ منهُمُ،

آمالَهُ مَنْ عادَ بالحِرْمانِ

وَإذا الرّماحُ شَغَلنَ مُهجَةَ ثائِرٍ،

شَغَلَتْهُ مُهْجَتُهُ عَنِ الإخْوَانِ

هَيهاتِ عاقَ عنِ العِوادِ قَوَاضِبٌ،

كَثُرَ القَتيلُ بها وَقَلّ العَاني

وَمُهَذَّبٌ أمَرَ المَنَايَا فِيهِمِ،

فأطَعْنَهُ في طاعَةِ الرّحْمانِ

قد سَوّدتْ شجرَ الجبالِ شُعُورُهم،

فكأنّ فيهِ مُسِفّةَ الغِرْبانِ

وَجَرَى على الوَرَقِ النّجيعُ القَاني،

فكأنّهُ النّارَنْجُ في الأغصانِ

إنّ السّيُوفَ معَ الذينَ قُلُوبُهُمْ،

كقُلُوبهنّ إذا التَقَى الجَمعانِ

تَلْقَى الحُسامَ على جَرَاءَةِ حدّهِ،

مثلَ الجَبانِ بكَفّ كلّ جَبَانِ

رَفعتْ بكَ العرَبُ العِمادَ وَصَيّرَتْ،

قِمَمَ المُلُوكِ مَوَاقِدَ النّيرانِ

أنسابُ فَخرِهِمِ إلَيْكَ وَإنّمَا،

أنْسَابُ أصْلِهِمِ إلى عَدْنَانِ

يا مَنْ يُقَتِّلُ مَنْ أرَادَ بسَيْفِهِ،

أصْبَحتُ منْ قَتلاكَ بالإحْسانِ

فَإِذا رَأَيتُكَ حارَ دونَكَ ناظِري،

وَإِذا مَدَحتُكَ حارَ فيكَ لِساني

Published
Categorized as معلومات عامة