عالج شعراء الجاهلية في قصائدهم موضوع الحيوانات، مع إبراز صفاتها وخصائصها وسلوكها، مما يعكس تفاعلهم العميق مع البيئة الطبيعية المحيطة بهم. فقد كانت الحيوانات جزءًا لا يتجزأ من حياتهم اليومية، وذلك نظرًا لاستخدامهم لها في التنقل والعديد من الأغراض الأخرى. ومن أبرز الحيوانات التي تناولها الشعراء الجاهليون، يمكن الإشارة إلى:
إن تعبير الشعراء الجاهليين عن الحيوانات يُظهر عمق مشاعرهم تجاهها؛ حيث استطاعوا استشعار أدق مشاعرها وعبّروا عن الحزن الذي يمكن أن يتجلى في عيونها. وقد وجدوا في عالم الحيوان انعكاسًا لعالم الإنسان، مع ما يحمله هذا العالم من ثنائيات متناقضة مثل الرحمة والقسوة، القوة والضعف، الظالم والمظلوم، كما ساعدتهم هذه الملاحظات في إيجاد إجابات لكثير من التساؤلات وحلول لمشكلات مؤرقة.
هنا نستعرض بعض الأمثلة من الشعر الجاهلي التي تبرز ذكر الحيوانات:
تناول النابغة الذبياني في شعره إشارة إلى الناقة، حيث كانت تُعتبر متنفسًا له من همومه بعد فراق أحبته وشعوره بالوحدة، حيث يقول في قصيدته “أمن ظلامة الدمن البوالي”:
فَلَمّا أَن رَأَيتُ الدارَ قَفرًا
وَخالَفَ بالُ أَهلِ الدارِ بالي
نَهَضتُ إِلى عُذافِرَةٍ صَموتٍ
مُذَكَّرَةٍ تَجِلُّ عَنِ الكَلالِ
فِداءٌ لِاِمرِئٍ سارَت إِلَيهِ
بِعِذرَةِ رَبِّها عَمّي وَخالي
وَمَن يَغرِف مِنَ النُعمانِ سَجلًا
فَلَيسَ كَمَن يُتَيَّهُ في الضَلالِ
أشار زهير بن أبي سلمى في شعره إلى الإبل، لما لها من أهمية في نقل المتاع والماء وأدوات الحرب، حيث يقول في قصيدته “ألا ليت شعري هل يرى الناس ما أرى”:
فَساروا لَهُ حَتّى أَناخوا بِبابِهِ
كِرامَ المَطايا وَالهِجانَ المَتالِيا
فَقالَ لَهُم خَيرًا وَأَثنى عَلَيهِمُ
وَوَدَّعَهُم وَداعَ أَن لا تَلاقِيا
أشار الأعشى في شعره إلى الإبل مشبهًا ناقته ببقر الوحش نظرًا لنشاطها، وقد ذكر أيضًا الذئب في قصيدته، كما يلي:
عَرَندَسَةٍ لا يَنفُضُ السَيرُ غَرضَها
كَأَحقَبَ بِالوَفراءِ جَأبَ مُكَدَّمِ
رَعى الرَوضَ وَالوَسمِيَّ حَتّى كَأَنَّما
يَرى بِيَبيسِ الدَوِّ إِمرارَ عَلقَمِ
تَلا سَقبَةً قَوداءَ مَشكوكَةَ القَرا
مَتى ما تُخالِفهُ عَنِ القَصدِ يَعذِمِ
إِذا ما دَنا مِنها اِلتَقَتهُ بِحافِرٍ
كَأَنَّ لَهُ في الصَدرِ تَأثيرَ مِحجَمِ
إِذا جاهَرَتهُ بِالفَضاءِ اِنبَرى لَها
بِإِلهابِ شَدِّ كَالحَريقِ المُضَرَّمِ
وَإِن كانَ تَقريبٌ مِنَ الشَدِّ غالَها
بِمَيعَةِ فَنّانِ الأَجارِيِّ مُجذِمِ
فَلَمّا عَلَتهُ الشَمسُ وَاِستَوقَدَ الحَصى
تَذَكَّرَ أَدنى الشِربِ لِلمُتَيَمِّمِ
فَأَورَدَها عَيناً مِنَ السَيفِ رِيَةً
بِها بُرَأٌ مِثلُ الفَسيلِ المُكَمَّمِ
بَناهُنَّ مِن ذَلّانَ رامٍ أَعَدَّها
لَقَتلِ الهَوادي داجِنٌ بِالتَوَقُّمِ
فَلَمّا عَفاها ظَنَّ أَن لَيسَ شارِبًا
مِنَ الماءِ إِلّا بَعدَ طولِ تَحَرُّمِ
وَصادَفَ مِثلَ الذِئبِ في جَوفِ قُترَةَ
فَلَمّا رَآها قالَ يا خَيرَ مَطعَمِ
وَيَسَّرَ سَهماً ذا غِرارٍ يَسوقُهُ
أَمينُ القُوى في صُلبَةِ المُتَرَنِّمِ
أبرز الشاعر طرفة بن العبد في قصيدته “سائلوا عنا الذي يعرفنا” فخره بانتصارات قومه، حيث أشار إلى الخيل وضرورة العناية بها، إذ قال:
سائِلوا عَنّا الَّذي يَعرِفُنا
:::بِقُوانا يَومَ تَحلاقِ اللِمَم
يَومَ تُبدي البيضُ عَن أَسوقِها
:::وَتَلُفُّ الخَيلُ أَعراجَ النَعَم
أَجدَرُ الناسِ بِرَأسٍ صِلدِمٍ
:::حازِمِ الأَمرِ شُجاعٍ في الوَغَم
كامِلٍ يَحمِلُ آلاءَ الفَتى
:::نَبِهٍ سَيِّدِ ساداتٍ خِضَم
أحدث التعليقات