تبوأ الشعر في العصر الأموي مكانة رفيعة، حيث أظهر الخلفاء اهتماماً واضحاً بالشعراء وقدموا لهم الدعم المادي، ولعل عبد الملك بن مروان كان من أبرز الخلفاء الذي يتمتع بذائقة أدبية متميزة؛ إذ كان قادراً على تذوق الشعر ونقده، مشيراً إلى جوانب الضعف والعيوب في النصوص، مما دفع الشعراء للتنافس والإبداع من أجل تقديم نماذج شعرية متميزة.
كما شهد هذا العصر انقسامات في أوساط الدولة العربية الإسلامية، حيث برزت خلافة عبد الله بن الزبير في الحجاز والعراق، وتعددت الثورات الكبيرة، مثل ثورة المختار الثقفي. نتيجة لهذه النزاعات، انقسم الشعراء إلى فئات تدعم كل فصيل سياسي، فظهر شعراء يتبعون بني أمية، وآخرون للزبيريين، وبعضهم للشيعة.
تأثرت الحياة الأدبية في العصر الأموي تأثراً عميقاً بالواقع السياسي للدولة، حيث كانت النصوص الشعرية والنثرية تعكس هذه التأثيرات حتى جاء العصر العباسي، الذي أحدث تحولاً جذرياً في المزاج الثقافي ونظّم الحياة الأدبية بشكل جديد.
شهد العصر الأموي تحولات بارزة في الحياة الأدبية العربية، حيث مثل هذا العصر مرحلة انتقال العرب من نمط الحياة البدوية إلى المدنية والاستقرار، مما أدى إلى تأسيس دولة عربية تضمهم وتمنحهم الفرصة لتكريس اهتمامهم للأدب، بعد أن كانت مشاغلهم محصورة في البحث عن الماء والمرعى والطعام.
وفي هذا العصر، برزت أجناس النثر بشكل ملحوظ، التي كانت شحيحة في العصر الجاهلي بسبب غياب التدوين الملائم، إذ إن حفظ النثر بالذاكرة أمر صعب مقارنة بالشعر الذي يتميز بقواعد موسيقية. لذلك ضاعت معظم النصوص النثرية القديمة.
ومع ذلك، وجد النثر طريقه في العصر الأموي بشكل أفضل، حيث اشتهرت فيه فنون مثل الرسائل والتوقيعات والخطابة. يعود الاهتمام بهذه الفنون إلى احتياج الدولة لها، حيث كانت الرسائل تُستخدم لإصدار الأوامر الرسمية بأسلوب أدبي يناسب مقام الخليفة. وعُرف العديد من الكتّاب الجيدين، من بينهم عبد الحميد الكاتب، لتألقهم في هذا المجال.
أما التوقيعات، فقد كانت متعلقة بالخلفاء، إذ كان الخليفة يختتم الأوامر الرسمية بعبارات أدبية مختصرة، بعضها من تأليفه أو نصوص من الآيات القرآنية. وقد انتشرت الخطابة بشكل واسع، كونها كانت وسيلة للتواصل بين الحاكم وشعبه، مما أدى إلى بروز خطب ذات طابع عظيم، مثل خطبة البتراء لزياد بن أبيه، والخطبة الشعواء للحجاج بن يوسف.
أما الشعر في العصر العباسي، فقد عكس ذروة النهضة الأدبية التي شهدها ذلك العصر، حيث سادت روح الابتكار والرغبة في التحرر من الأشكال التقليدية. وقد اتجه شعراء هذا العصر نحو خلق موضوعات جديدة تُظهر التأثيرات الحياتية والتطور الثقافي، مما يعكس الحضارة المتجددة التي أقامها العرب.
تجلت ملامح التحول الإبداعي في الشعر بالتخلص من قيود القصيدة التقليدية، حيث تم تمرد الشعراء على المقدمة الطللية، واستبدالها بمقدمات جديدة تعكس واقعهم، مع الابتعاد عن الصور التقليدية مثل الصحراء والناقة وصور الرحلة، والتركيز على وصف الخمر والقصر والطبيعة وغيرها من الموضوعات التي تعبر عن تجاربهم الحياتية.
تطور النثر في العصر العباسي بشكل غير مسبوق، ويعود ذلك إلى الاستقرار السياسي وتأسيس المؤسسات التي رعت حركة التدوين، فضلاً عن توفر أدوات الكتابة. وكان يُعرف في بغداد سوق خاص يُدعى سوق الوراقين، حيث يتم بيع مستلزمات الكتابة وتجارة الكتب ونسخها وترجمتها، مما شكل بيئة مثالية لإثراء الحركة الأدبية النثرية.
وتعددت المؤلفات في مجالات النثر، حيث ظهرت الرسائل والمكاتبات الرسمية، وكتب تُعنى بالفنون البلاغية، بالإضافة إلى كتب تتعلق بالمناظرات وجمع الخطب والدراسات النقدية في مختلف الفنون. ولم يعد النثر مقتصراً على التأليف التقليدي، بل تطور إلى عقد دراسات نقدية وفنية حول تلك النصوص.
أحدث التعليقات