اختار الله -سبحانه وتعالى- لنبيّه -عليه الصلاة والسلام- أن يُنشأ يتيماً، ومن الحكمة في ذلك ما يلي:
غادر عبد الله والد النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى المدينة للتجارة، لكنه أصيب بمرض هناك وتوفي، وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- في بطن والدته حينها. وُلد النبي -عليه الصلاة والسلام- في يوم الاثنين من شهر ربيع الأول، وقد ألهم الله -عز وجل- والدته آمنة وجدّه عبد المطلب تسميته محمد؛ لأنه يجمع صفات الخير وكثير الحمد.
قامت والدته بإرضاعه، ثم أتمت ثويبة العملية، بعد ذلك أرسلته والدته إلى حليمة السعدية كما كان يفعل العرب، لكي يُرضع في البادية وينشأ فصيح اللسان وقوي الجسم. وعندما تمّ حادث شق الصدر، أعادته حليمة إلى أهله، فتولى رعايته جدّه وحاضنته أم أيمن بركة الحبشية.
عندما بلغ النبي الخامسة، أخذت والدته لزيارة أقارب جدّه من بني النجّار في المدينة. وأثناء عودتهما إلى مكة، مرضت والدته مرضاً شديداً وتوفيت في منطقة تُعرف بالأبواء، ودُفنت هناك.
دخل النبي تحت كفالة جدّه عبد المطلب الذي أحسن إليه وأكرمه وقرّبه منه، واستمر هذا حتى وفاته بعد عامين. ومن ثم، تولى عمّه أبو طالب، وهو الأخ الوحيد لوالد النبي، تربيته وتعليمه على الأخلاق وحسن الحديث، وكان يعمل معه في التجارة ورعاية الغنم.
كان -صلى الله عليه وسلم- مثالاً للسعي نحو الرزق منذ صغره، مما ساعده في قيادة الأمة، وعلمه الصبر والعطف والرحمة تجاه شؤون الأمة. كما خصّه الله -سبحانه- برعاية الغنم، لجعل كسبه حلالاً ومن عمل يده، مما ساهم في تواضعه.
لطالما أبدى القرآن الكريم اهتمامًا كبيرًا باليتيم منذ بداية الدعوة، وقد تفضل الله -تعالى- على نبيه الذي نشأ يتيمًا، فآواه وحفظه ورعاه، وهذا ينم عن تكريم اليتيم. وقد أمر الله -عز وجل- بإكرامهم والإحسان إليهم، واعتُبرت مكانة اليتيم عظيمة إذ قرنها الله -سبحانه وتعالى- بعبادته، وكان ذلك من المواثيق التي أخذها الله من بني إسرائيل، فقال -تعالى-: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ).
وأمر الله -سبحانه وتعالى- الكافل لليتيم بالحرص على أمواله، فلا يُسرفها أو يُدخل عليها الحرام في التجارة وغيرها، وأن يسارع في رد أمواله كاملة عند البلوغ والنضوج، كما قال -تعالى-: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا). أما السنة النبوية، فقد أعطت أهمية كبيرة لليتيم، حيث بشَّر النبي -عليه الصلاة والسلام- الكافل لليتيم بدخول الجنة معه، فقال: (وأنا وكافِلُ اليَتِيمِ في الجَنَّةِ هَكَذا؛ وأَشارَ بالسَّبَّابَةِ والوُسْطَى، وفَرَّجَ بيْنَهُما شيئًا).
ختاماً، تناول المقال الحكمة من يتيم النبي -صلى الله عليه وسلم- ومراحل نشأته حتى بلوغه، كما أشار إلى اهتمام الإسلام باليتيم.
أحدث التعليقات