تُعتبر الحروب الصليبية سلسلة من الصراعات العسكرية التي شهدتها أوروبا بين القرنين الحادي عشر والرابع عشر، حيث شارك فيها المسيحيون ضد المسلمين في المناطق الشرقية والجنوبية للبحر الأبيض المتوسط. جاءت هذه الحروب مدفوعة بشغف الباباوات في الكنيسة الكاثوليكية، وتهدف إلى استعادة المقدسات المسيحية وأراضي البحر المتوسط التي اعتُبرت إرثاً مقدساً من قِبل الكنيسة. في هذا المقال، سنوضح سبب تسميتها بالحروب الصليبية ودوافعها المختلفة.
أُطلق على هذه الحروب اسم الحروب الصليبية نسبة إلى علامة الصليب، التي كان ينقشها الجنود على صدورهم. في الكتابات العربية المعاصرة لتلك الفترة، مثل مؤلفات ابن الأثير الجزري في “الكامل في التاريخ” وأبي الفداء في “المختصر في أخبار البشر”، وُصفت هذه الحروب بأنها حروب الفرنجة أو الإفرنج.
على الجانب الآخر، أُطلق على المشاركين من قبل الأوروبيين العديد من الألقاب مثل “مؤمنو القديس بطرس” و”جنود المسيح”. اعتبر بعض الصليبيين أن حملتهم كانت بمثابة حج ديني، مما أدى إلى استخدام مصطلح الحجاج المسلحين للدلالة على أن الحجاج التقليديين لا يحملون الأسلحة. كان الصليبيون يقسمون على الذهاب إلى القدس للحصول على صليب يُخاط في ملابسهم، الأمر الذي أصبح رمزاً لهذه الرحلة المخصصة لكل صليبي.
في العصور الوسطى، أُشير إلى هذه الحروب بألفاظ تعكس مفهوم الطواف والتنقل تجاه الأرض المقدسة، وتعتقد بعض المصادر أن مصطلح “الحرب الصليبية” قد ظهر لأول مرة في بحث لمؤرخ بلاط لويس التاسع عشر في عام 1675. جاء أيضاً تفسير آخر لاسم هذه الحروب من استخدام علامة الصليب على الأسلحة والزوارق، حيث كانت الحملات المتجهة إلى الأراضي العربية تروج لنفسها باعتبارها حملة لإنقاذ المسيحية.
بدأت الأحداث عندما انتصر السلاجقة على البيزنطيين، مما دعا البيزنطيين إلى طلب المساعدة من المسيحيين في بلاد الغال (فرنسا)، انطلاقاً من كونهم ينتمون إلى نفس العقيدة. كانت الدوافع الاقتصادية والاجتماعية دوافع رئيسية للدفاع عن الروم البيزنطيين.
عُقد اجتماع باسم البابا أوربان الثاني في نوفمبر عام 1095 في مدينة كليرمونت الفرنسية، لدعوة رجال الدين إلى الانضمام لصفوف الحروب الصليبية. كانت الحملات تُبرر أفعالها برغبة تطبيق إرادة الرب من خلال الحج إلى الأراضي المقدسة كوسيلة للتكفير عن الذنوب. وقد انتشرت حينها العديد من الروايات المزعومة حول الاضطهاد الذي تعرض له المسيحيون تحت الحكم الإسلامي، مما استدعى ضرورة تحريرهم، خاصة بعد تدمير كنيسة القيامة في الثامن عشر من أكتوبر عام 1009 بموجب أمر من الحاكم الفاطمي بأمر الله.
في تلك الفترة، كان قانون الإرث في أوروبا يقضي بأن يرث الابن الأكبر جميع أملاك والده بعد وفاته، بما في ذلك العبيد. كنتيجة لهذا، نشأت طبقة من النبلاء أو الأسياد الذين لم يمتلكوا أي إقطاعيات، مما أوجد تسميات مثل “بلا أرض” و”المعدم” للدلالة على عدم امتلاكهم لأراض. وقد رأى هؤلاء فرصة في الحروب الصليبية للاستحواذ على أراض جديدة في الشرق، بينما اعتبرها آخرون فرصة لتوسيع ثرواتهم. كما كانت هذه الحروب فرصة للفقراء لبناء حياة جديدة أفضل والخروج من ظروف العبودية التي عاشوها في ظل النظام الإقطاعي.
أحدث التعليقات